فيه تلك المقالة كذلك، ألا وهو تفسير الإمام الرازي، وإن كان القائلون إنما هم المتطرفون من العلماء، كما نقل ذلك أبو حيان الأندلسي المصري، في الجزء الأول من بحره، عند تفسيره لقول الله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦].
ولكن لا ندري أصدرت هذه المقالة بالنسبة للجواهر من المتطرفين فقط، أم من بعض المعتدلين؟ وهذا الذي نرجحه، لأن بعض هؤلاء قد يكون أصدر حكمه لمجرد السماع فقط، وبعضهم الآخر قد يكون اطلع على فصل في أثناء التفسير، عند لطيفة من لطائف الشيخ، أو جوهرة أو زمردة أو ماسة أو ياقوتة، فظن أن هذا هو التفسير لا غير، لكن إذا أردنا أن ننصف الرجل، فلا بدَّ أن نغير هذه العبارة بأن نقول:(لقد جاء في كتاب الشيخ كل شيء مع التفسير، فنستبدل كلمة (إلا) بكلمة (مع)، ولا أحب هنا أن أنقل نماذج كثيرة بل أكتفي بمثالين اثنين، وليكن أحدهما مدنيًا من سورة البقرة، وليكن من آيات الأحكام كذلك وليكن الآخر مكيًا.
أما المدني فهو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[البقرة: ١٧٨].
[التفسير اللفظي]
يقول تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} أي شيء من العفو وإذن يكون بعض العفو كالعفو التام في إسقاط القصاص.
{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي فليكن اتباع بالمعروف، أي فلا يعنف ولي الدم في المطالبة.
{وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أي وعلى القاتل أداء الدية إلى ولي الدم في غير مماطلة.
{ذَلِكَ} الحكم المذكور، {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} لما فيه من التسهيل كما سيأتي في الإيضاح.