إذ نوافقه في بعض ما ذهب إليه كإنكاره أن يكون الرزق الذي وجده زكريا عند مريم عليها السلام، فاكهة الشتاء في الصيف أو الصيف في الشتاء، نحن معه في هذا، لأنه ليس عندنا نص صحيح فيه من كتاب أو سنّة، ولكننا لا نتفق معه فيما ذهب إليه من تأويل نصوص لا يُمارى فيها وسأذكر هنا بعض الأمثلة:
[١ - خلق عيسى عليه السلام ومعجزاته]
يقول في تفسيره لقول الله عز وجل:{قَال كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: ٤٧]، ونحن معاشر المؤمين نقول: إن تلك الأشياء المعبر عنها بالفلتات، إما أن يكون لها سبب خفي، وحينئذ يجب أن تهدي هؤلاء الجاحدين إلى أن بعض الأشياء يجوز أن يأتي من غير طريق الأسباب المعروفة، فلا ينكروا كل ما يخالفها، لاحتمال أن يكون له سبب خفي لم يقفوا عليه، لا ينزل أمر عيسى في الحمل به من غير واسطة أب عن ذلك، وإما أن تكون قد وجدت في الواقع ونفس الأمر خارقة لنظام الأسباب. ونحن نرى علماء الغرب وفلاسفته، متفقين على إمكان التولد الذاتي، أي تولد الحيوان من غير حيوان أو في الجماد، وهم يبحثون ويحاولون أن يصلوا إلى ذلك بتجاربهم وإذا كان تولد الحيوان من الجماد جائزًا فتولد الحيوان من حيوان واحد أولى بالجواز، وأقرب إلى الحصول، نعم إنه خلاف الأصول، وإن كونه جائزًا لا يقتضي وقوعه بالفعل، ونحن نستدل على وقوعه بالفعل، بخبر الوحي الذي قام الدليل على صدقه.
ويمكن تقريب هذه الآية الإلهية من السنن المعروفة في نظام الكائنات بوجهين:
- الأول: أن الاعتقاد القوي الذي يستولي على القلب، ويستحوذ على المجموع العصبي يحدث في عالم المادة من الآثار، ما يكون خلاف المعتاد. فكم من سليم اعتقد أنه مصاب بمرض كذا، وليس في بدنه شيء من جراثيم هذا المرض، فولد له اعتقاده الجراثيم الحية، وصار مريضًا، وكم من امرئ سقي الماء القراح أو نحوه، فشربه معتقدًا أنه سم ناقع فمات مسمومًا به. والحوادث