للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الأصل، ولذلك لا يفعل الشر إلا بملابسة الشيطان له ووسوسته إليه، والخروج من الجنة مثال لما يلاقيه الإنسان من البلاء والعناء، بالخروج عن الاعتدال الفطري. وأما تلقي آدم الكلمات وتوبته، فهو بيان لما عرف في الفطرة السليمة، من الاعتبار بالعقوبات التي تعقب الأفعال السيئة، ورجوعه إلى الله تعالى عند الضيق، والتجاؤه إليه في الشدّة، وتوبة الله تعالى عليه عبارة عن هدايته إلى المخرج من الضيق والتفلت من شرك البلاء بعد ذلك الاعتبار والالتجاء ... فحاصل القوى أن الأطوار الفطرية للبشر ثلاثة: طور الطفولة وهو طور نعيم وراحة. وطور التمييز الناقص، وفيه يكون الإنسان عرضة لاتباع الهوى بوسوسة الشيطان، وطور الرشد والاستواء، وهو الذي يعتبر فيه بنتائج الحوادث، ويلتجئ فيه عند الشدة إلى القوة الغيبية العليا، التي منها كل شيء، وإليها يرجع الأمر كله، فهكذا كان الإنسان في أفراده مثالًا للإنسان في مجموعه ... وبقي طور آخر أعلى من هذه الأطوار وهو منتهى الكمال، وأعني به طور الدين الإلهي والوحي السماوي، الذي به كمال الهداية الإنسانية) (١).

هذا ملخص ما ذكره الإمام في تفسير قصة آدم، ولقد شعر رحمه الله بأن تفسيره هذا سيثير عليه كثيرين. فبدأ يدافع عن نفسه، كما دافع عنه صاحب المنار. ونقل مقالة كتبها الإمام بيده يبين فيها أنه لم ينكر وجود الملائكة، ولم يقل إنهم قوى غير عاقلة، وإنما قصد التقريب لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالدين. ثم ينعى في آخر كلمته على هؤلاء الذين ظنوا به سوءًا، وحملوا كلامه على غير محمله، وهو أعرف منهم بالله وأرسخ منهم إيمانًا.

[مناقشة هذا التأويل]

هذا أسلوب في التهجم ما كنا نرضاه من الإمام رحمه الله. وأنا أحسن الظن به ولا أقول إنه ينكر وجود الملائكة، ولكن ليس معنى هذا أن يسلم له ما جاء به من هذا التأويل.


(١) المنار جـ ١/ ٢٨١ - ٢٨٤ الطبعة الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>