(وتقرير التمثيل في القصة على هذا المذهب -مذهب الخلف- هكذا: أن إخبار الملائكة .. هو عبارة عن تهيئة الأرض .. لوجود نوع من المخلوقات يتصرف فيها. وسؤال الملائكة عن جعل الخليفة ... هو تصوير لما في استعداد الإنسان لذلك. وتعليم آدم الأسماء كلها، بيان لاستعداد الإنسان لعلم كل شيء في هذه الأرض وانتفاعه في استعمارها، وعرض الأسماء على الملائكة وسؤالهم عنها، وتنصلهم في الجواب، تصوير لكون الشعور الذي يصاحب كل روح من الأرواح المدبرة للعوالم محدودًا لا يتعدى وظيفته. وسجود الملائكة لآدم عبارة عن تسخير هذه الأرواح والقوى له، ينتفع بها في ترقية الكون، بمعرفة سنن الله تعالى في ذلك، وإباء إبليس واستكباره عن السجود، تمثيل لعجز الإنسان عن إخضاع روح الشر، ويصح أن يراد بالجنة الراحة والنعيم ... وبآدام نوع الإنسان ... وبالشجرة معنى الشر والمخالفة ... وبسكنى الجنة والهبوط منها أمر التكوين ... والمعنى على هذا أن الله تعالى كون النوع البشري على ما نشاهد في الأطوار التدريجية، التي قال فيها سبحانه {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}[نوح: ١٤]، فأولها طور الطفولة، وهذا معنى قوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}[البقرة: ٣٥] وذكر الزوجة مع أن المراد بآدم النوع الآدمي، للتنبيه على الشمول، وعلى أن استعداد المرأة كاستعداد الرجل في جميع الشؤون البشرية، فأمر آدم وحواء بالسكنى أمر تكوين، أي أنه تعالى خلق البشر ذكورًا وإناثًا هكذا، وأمرهما بالأكل حيث شاءا، عبارةٌ عن إباحة الطيبات وإلهام معرفة الخير. والنهي عن الشجرة عبارة عن إلهام معرفة الشر. وهذان الإلهامان اللذان يكونان للإنسان في الطور الثاني، وهو طور التمييز، هما المراد بقوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: ١٠]. ووسوسة الشيطان وإذلاله لهما عبارة عن تلك الروح الخبيثة، التي تلابس النفوس البشرية، فتقوى فيها داعية الشر. أي أن إلهام التقوى والخير، أقوى في فطرة الإنسان، أو