البذرة، فكانت به هذه الحياة النباتية المخصوصة، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان، فكل أمر كلي قائم مخصوص تمت به الحكمة الإلهية في إيجاده، فإنما قوامه بروح إلهي، سمي في لسان الشرع ملكًا. ومن لم يبال في التسمية بالتوقيف سمى هذه المعاني القوى الطبيعية. فالحقيقة واحدة، والعاقل من لا تحجبه الأسماء عن المسميات، وإن كان المؤمن بالغيب يرى للأرواح وجودًا لا يدرك كنهه، والذي لا يؤمن بالغيب، يقول لا أعرف الروح ولكن أعرف قوة لا أفهم حقيقتها، ولا يعلم إلا الله علام يختلف الناس. وماذا على هذا الذي يزعم أنه لا يؤمن بالغيب، وقد اعترف بما غُيب عنه، لو قال أصدق بغيب أعرف أثره، وإن كنت لا أقدره قدره، فيتفق مع المؤمنين بالغيب، ويفهم بذلك ما يرد على لسان صاحب الوحي، ويحظى بما يحظى به المؤمنون.
يشعر كل من فكر في نفسه، ووازن بين خواطره، عندما يهم بأمر فيه وجه للحق، أو الخير، ووجه للباطل أو الشر، بأن في نفسه تنازعًا، كان الأمر قد عرض فيها على مجلس شورى. فهذا يورد وذلك يدفع وواحد يقول افعل، وآخر يقول لا تفعل، حتى ينتصر أحد الطرفين، ويترجح أحد الخاطرين، فهذا الشيء الذي أودع في أنفسنا ونسميه قوة وفكرًا، لا يبعد أن يسميه الله ملكًا. فإذا صح الجري على هذا التفسير، فلا يستبعد أن تكون الإشارة في الآية إلى أن الله تعالى، لما خلق الأرض ودبرها بما شاء من القوة الروحانية، التي بها قوامها ونظامها، وجعل كل صنف من القوى مخصوصًا بنوع من أنواع المخلوقات، لا يتعداه ولا يتعدى ما حدد له من الأثر الذي خص به، خلق بعد ذلك الإنسان، وأعطاه قوة يكون بها مستعدًا للتصرف بجميع هذه القوى وتسخيرها في عمارة الأرض، وعبر عن تسخير هذه القوى له بالسجود، الذي يفيد معنى الخضوع والتسخير واستثنى من هذه القوى قوة واحدة، عبر عنها بإبليس، ولو أن نفسًا مالت إلى قبول هذا التأويل، لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك، والعمدة على اطمئنان القلب وركون النفس إلى ما أبصرت من الحق).