للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محاذير هذه الطريقة]

والحق أن صنيع مفسرنا الفاضل انفرد به هو، دون أن يجد أحدًا من قبله يستأنس به على ما فعله. وليس معنى هذا أنني أحكم بحرمة هذا العمل وعدم جوازه، فأنا الآن لست في مجال الفتيا، لكن الذي أود أن أشير إليه وأقرره، أن هذا الصنيع لم يسبق إليه أولًا من جهة، وهو باب ذو خطر عظيم على القرآن من جهة ثانية، ولن يؤدي للنتائج التي توخاها المؤلف من جهة ثالثة.

أما أنه لم يسبق إليه، فذلك ظاهر كما تقدم، وأما أنه يفتح باب الخطر على القرآن، فلأننا رأينا في السنين الأخيرة مقالات كتبت بأقلام مسمومة، وسمعنا أصواتًا منكرة تنادي بإعادة ترتيب المصحف على غير ما هو عليه الآن. ويتظاهر المنادون بالغيرة الشديدة على الإسلام (١).

[عدم تأديتها للنتائج التي قصدها المؤلف وأمثلة ذلك]

وأما أنه لن يؤدي النتائج التي أرادها المؤلف، فلأن سور القرآن كما قلت من قبل، لم تنزل كلّ سورة منها دفعة واحدة. فهناك الآيات المدنية في السور المكية وليس العكس (٢)، وهناك السور التي نزلت متداخلة، أو التي نزلت في أثناء نزول سورة واحدة، فضلًا على أن ترتيب النزول غير مقطوع به، باعتراف المؤلف نفسه ولقد تضاربت فيه الأقوال وتباينت الآراء، وكل هذا في اعتقادي لأن الترتيب الأخير للمصحف، هو الترتيب الذي اهتم به المسلمون فلم يبالوا بغيره، نعم قد نتبع هذا الترتيب، أعني ترتيب النزول حسب أشهر الروايات في موضوعات خاصة، كتدرج الأحكام، أو دراسة القصص القرآني، ولقد سرت على هذا في كتابي


(١) وليس معنى هذا أننا نتهم الأستاذ دروزة، فأنا لا أشك في صدقه وحسن نيته لكن صنيعه هذا باب يدخل منه أمثال هؤلاء.
(٢) وذلك أن المؤلف الدكتور فضل - رحمه الله - يرى أن السور المدنية لا يصلح أن يكون فيها آيات [مكية]. [ما بين المعقوفين كان خطأ بالمطبوع فصححته (مُعِدُّه للشاملة)]

<<  <  ج: ص:  >  >>