للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادسًا: ميزات الظلال:

وإنصافًا للرجل -لابد من القول بأن للظلال ميزات تنعكس عن شخصية المفسر، وقبل أن نبين تلك الميزات لا بد أن نشير إلى شخصية المفسر نفسه، فلقد كانت كتابته عن القرآن كتابة من تفاعل مع القرآن بعد رحلة طويلة قضاها مع أفكار أرضية متباينة وثقافات متعددة كان أسيرها واستهوت فؤاده وملكت عليه لبه ولكنه بعد أن خبرها جميعها وجدها نخالات وعفارات فكان لا بد من أن يرجع إلى القرآن وثيقة السماء الوحيدة الخالدة رجوعًا فيه سلامة العقيدة وصفاء الفكر (١) يقول سيد رحمه الله في كتابه (معالم في الطريق) (٢) (إن الذي يكتب هذا الكلام إنسان عاقل يقرأ أربعين سنة كاملة، كان عمله الأول فيها هو القراءة والإطلاع في معظم حقول المعرفة الإنسانية ... ما هو من تخصصه وما هو من هواياته ... ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره، فإذا هو يجد كل ما قرأه ضئيلًا إلى جانب ذلك الرصيد الضخم -وما كان يمكن أن يكون إلا كذلك- وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره، فإنما عرف الجاهلية على حقيقتها وعلى إغراقها وعلى ضآلتها وعلى جعجعتها وانتقائها وعلى غرورها وادعائها كذلك، وعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يجمع المسلم بين هذين المصدرين في التلقي (ويقول عند تفسير قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} من سورة الحجرات .. ويختفي شعور كالشعور الذي عشته في فترة من فترات الضياع والقلق -قبل أن أحيا في ظلال القرآن وقبل أن يأخذ الله بيدي إلى عطفه الكريم- ذلك الشعور الذي خلعته روحي المتعبة على الكون كله فعبرت عنه أقول:

وقف الكون حائرًا أين يمضي ... ولماذا وكيف -لو شاء- يمضي

عبث ضائع وجهد غبين ... ومصير مقنع ليس يُرضي


(١) وهكذا كل رجوع بعد اقتناع وفي مسلك الإمام الغزالي رحمه الله خبر دليل على ذلك.
(٢) ص ١٧٦ طبعة القاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>