عذاب مهين بعد عذاب أليم. انظر إلى التزيين اللفظي وموسيقاه، انظر إلى السجع وتنوعه وزنًا وحرفًا .. انظر إلى الجناس بين {تُتْلَى} و {وَلَّى}(١).
وكما أن المفسر يذكر ما في الآيات من صور بيانية، تجذب النفوس والوجدانات إليها، وتمس القلوب بروعتها، فإنه يلتفت كثيرًا إلى المسائل العلمية والظواهر الكونية، التي تخاطب بها العقول آيات القرآن، فيكون بذلك قد جمع للتأثر بهذا القرآن، بين العقل والعاطفة، وبين الفكر والوجدان.
[٣. الإشارات العلمية في الآيات]
[١ - الشمس والقمر بحسبان]
ولنستمع إليه عند تفسيره قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥)} [الرحمن: ٥]:
"وانتقل البيان الإلهي من الإنسان، إلى بعض ما في الكون، سمائه وأرضه {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥)}، إنه حسبان لا ميل له في عظمة خلقهما، ودقة الحكمة في سير كل منهما في بروجهما ومنازلهما، وفي بُعدهما عن الأرض وعن الكواكب الأخرى ومنافعهما .. وإليك يسيرًا من الملاحظات المتعلقة بذلك:
أ- بدأ المولى سبحانه -بعد ما تقدم من آلاء خلقه- بالشمس، وهي أهم نجم بالنسبة للحياة الأرضية، التي لا غنى لأهلها عن حرارتها وضوئها وجاذبيتها. إن الشمس تبعد عن الأرض (١٤٩٠٠٠٠٠٠) كيلومترًا أو اثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال، قدروا ذلك اعتمادًا على سرعة النور. وتقدر حرارة شمسنا المركزية بأربعين مليون درجة مئوية، فلو اختلف البُعد أو اختلفت الحرارة اختلافًا بيِّنًا، لتعطلت الحياة على وجه الأرض.