للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها والجنة التي كانا فيها، وما شابه ذلك، ينبغي أن نقف فيه عندما وقفنا عنده القرآن، وكذلك فعل سيد، فقد التزم هذا المنهج وألزم نفسه به في جميع المواطن التي كان يمر بها من مثل هذه المغيبات، يقول في سورة البقرة عند قصة آدم عليه السلام (وبعد ... مرة أخرى ... فأين هذا الذي كان؟ وما الجنة التي عاش فيها آدم وزوجه حينًا من الزمان؟ ومن هم الملائكة؟ ومن هو إبليس؟ كيف قال الله تعالى لهم؟ وكيف أجابوه ... هذا وأمثاله في القرآن الكريم غيب من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه، وعلم بحكمته أن لا جدوى للبشر في معرفة كنهه بطبيعته، فلم يهب لهم القدرة على إدراكه والإحاطة به بالأداة التي وهبهم إياها لخلافة الأرض، وليس من مستلزمات الخلافة أن نطلع على هذا الغيب ... ومن ثم لم يعد للعقل البشري أن يخوض فيه؛ لأنه لا يملك الوسيلة للوصول إلى شيء من أمره، وكل جهد يبذل في هذه المحاولة هو جهد ضائع، ذاهب سدى بلا ثمرة أو جدوى (إن الاستسلام للوهم والخرافة شديد الضرر بالغ الخطورة، ولكن أضر منه وأخطر التنكر للمجهول كله وإنكاره واستبعاد الغيب لمجرد عدم القدرة على الإحاطة به .. ) ... فلندع هذا الغيب إذًا لصاحبه وحسبُنا ما يقص لنا عنه بالقدر الذي يصلح لنا في حياتنا ويصلح سرائرنا ومعاشنا ... ) (١).

[٤ - المفسر وآيات الأحكام]

المتتبع لهذه المجموعة التي سماها مؤلفها بهذه التسمية (في ظلال القرآن) يدرك أن هدف المؤلف كان التوجيه والاستشارة أكثر من تقرير معلومات وسرد خلافات وتفصيل مذاهب، إنه يريد أن يوجه المسلمين نحو هذا القرآن كتابًا إنسانيا تامًّا في أحكامه، كاملًا في هدايته، حيًّا في منهجه، حركيًا في هيمنته على النفوس، متناسقًا في مبانيه، متسقًا في معانيه، ويستثير عواطفهم ليعيشوا في ظلال التوجيهات الربانية، وإذا كان هذا هو الهدف المنشود للمؤلف، فإنه من البدهي أن ينأى بالقراء


(١) الظلال جـ ١/ ٥٩ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>