على هذين الأصلين قام الفكر العصري، فسقطت أمامه كل مدركات الأديان المحرفة، فتوهمت الفلسفة العصرية بالنظر لهذه الأصول أنها أول من خلص العالم من أسر التقاليد والظنون، ولم تدرِ أن هذا القرآن قد سبقها بثلاثة عشر قرنًا في تقرير تلك المبادئ.
تحدث عن مسألة اللاهوت في نظر الفلسفة العصرية المعتدلة، فهي تقدر أن مسألة وجود الخالق من المسائل التي لا تحتمل كثرة الأخذ والرد، لكلنها وقفت موقف التحفظ خشية إحداث التفريق بين الأمم؛ لأن لكل أمة عقلًا يخصها، وقد قرر القرآن الكريم كثيرًا من المعاني التي أثبتتها الفلسفة للخالق، ولكنا قبلها بقرون.
[الرسل في نظر القرآن]
عقد بابًا في تاريخ علوم ما وراء المادة، ومجموع ما حصله العالم من المشاهدات الروحانية الخارقة للعادة، ليخلص أنها أمر لا يُستهان به يوجب على أعصى الناس على العقائد أن يعترف بوجود العالم الروحاني، وقد اعترف بهذا أئمة الشكوك في أوروبا وأمريكا، ومجرد الاعتراف بهذا العالم الروحاني يكفي لإعداد الفؤاد لقبول العقيدة بالرسل، فإن الرسول وجد بينه وبين ذلك العالم اتصال على نحو أرقى مما يجربه المجربون في أوروبا، فقد انكشف لهم هذا العالم باستعداد فطرتهم وبتخصيص الله تعالى إياهم للرسالة.
[الإسلام]
هو الدين الذي اتحد جميع الرسل على نشره، وتخليصه من شوائب ما وضعه الواضعون فيه، فلم يرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ليؤسس دينًا جديدًا في أمة معينة، ولكن ليصلح سائر الأديان مما طرأ عليها بهداية الأمم للدين الأصلي الذي أرسل الله به المرسلين، وأن الديانة الحقة أن يؤمن الإنسان بجميع رسل الله من أولهم إلى آخرهم، وهذا ما بُني عليه دين الإسلام، وهذا الدين سيكون في يوم من الأيام الديانة العامة اضطرارًا لا اخيارًا؛ لأنه لماذا يكون الإنسان يهوديا ولا يكون بوذيًا؟