للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة الخلق]

وفصل آخر يعقده المؤلف في كتابه يتحدث فيه عن (قصة الخلق)، جدير بنا أن نوليه اهتمامنا، ذلك لأنه لا تقل فيه المخاطر والمآخذ والمزالق والانحرافات عن سابقه، يقدم لهذا الفصل بكلمة عن نظريات العلم في أصل الخلق، وينفذ من خلال ذلك إلى نظرية داروين، ويخلص إلى القول: (بأن داروين قد أحسن ووفق فيما توصل إليه، من اكتشاف وشائج القربى بين المخلوقات جميعها، فها هي ذي نفس عضلات الأذن، التي كانت تحرك آذان أجدادنا الحمير (١)، وقد تليفت وضمرت حينما لم تعدلها وظيفة، هذا الجانب الذي أصاب فيه داروين، ولكن هناك جانبًا آخر من نظريات لم يحالفه فيه التوفيق، وهو أنه اعتبر تحول هذه المخلوقات، تحولًا ينبع من داخلها، فهو تحول ذاتي) (٢). ويرد المؤلف على دارون في هذا الجانب، بأن (هنا عقل الفنان المبدع الذي يجمل مخلوقاته، نلمس آثاره في ورق الشجر وألوان الزهر، وهو الذي يحول هذه المخلوقات).

ونحن أولًا إذ نرفض مثل هذا الإطلاق على الله جل وعلا، لأنه إطلاق ينبع من أرضّيتنا وبيئتنا، وحصيلتنا اللغوية. ولا يجوز بحال أن نتجاوز الحد، فنطلق على الله ما لم يطلقه على نفسه، فنصفه بالعقل تارة، والفنان تارة، والمهندس تارة، وما يشبه تلك العبارات تارة ثالثة. ولقد بحث علماء الكلام هذه المسألة، وقرروا هذا بكل وضوح وصراحة.

أما نظرية داروين، وبخاصة الجزء الذي رأى المؤلف أنه صواب يتفق مع العلم، لبعض التشابهات بين المخلوقات، فهذا ما ينبغي أن نجعله في مجال النظرية، وذلك لعدم أهليته دخول أفنية العلم وميادين الحقائق، وجامعات اليقين، وإذا كان المؤلف قد رد الجزء الأخير من هذه النظرية، كما فعل كثيرون قبله،


(١) هذه عبارته، ونحن لا نرضى أن يكون الحمير أجدادنا.
(٢) ص ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>