اعتاد كثير من المفسرين كالرازي وأبي حيان والألوسي وصاحب المنار، أن يذكروا أوجه الربط بين كل سورة وسورة، فيبينوا ما بين السورتين من أمور مشتركة اقتضت أن تلي إحداهما الأخرى، هذه الصلة بين السورتين هي التي يسميها العلماء (المناسبات) ولما كانت المناسبة بين السورتين أمرًا استنباطيًا يعتمد على حذف المفسر، وعمق فهمه لمرمى السورة ومقاصدها، دون تكلف في ذلك، رأينا أن المفسرين يتفاوتون في هذا الأمر، بل يرى القارئ أن بعضهم ينقل عن بعض، مع بعض الزيادات للمتأخرين، كما نرى ذلك في البحر المحيط وروح المعاني.
ومفسرنا رحمه الله، لم يفته الحديث عن هذه المناسبات، إلا أنه من الحق والإنصاف له، أن نقول بأن ما ذكره في كثير منها، إنما ينم عن فهم عميق وقريحة نفاذة ونظر ثاقب، غير متأثر من قريب أو بعيد، بما كتب من قبل، فهو يقول عن صلة آل عمران بسورة البقرة: (اعلم أن هذه السورة كالمتممة لسورة البقرة، ألا ترى أن لفظ البقرة، يدل على بقرة بني إسرائيل التي ذبحت لإظهار القتيل، وأن القصة التي تخللت السورة هي قصة بني إسرائيل، وقد قدمت لك في البقرة، أنها مرتبة ترتيبًا تاريخيًا على حسب العصور، فترى أن أول البقرة اشتمل على قصة بني إسرائيل لما كانوا في مصر، ثم الخروج منها، ثم ذكر أزمان حكم الشيوخ السبعين، ثم جاء في أواخر السورة، فذكر ملكهم بعد أن كانت حكومتهم شورية، فملك الله عليهم طالوت، ثم داود وسليمان، واستفحل ملكهم كما أوضحته هناك، وليس بعد هذا التاريخ إلا خروج عيسى -صلوات الله وسلامه عليه-، فجاءت سورة آل عمران التي تلي قصة بني إسرائيل السابقة، فانظر كيف كان لفظ البقرة دالًا على قصة بني إسرائيل، كما أن آل عمران رمز إلى قصة مريم وزكريا ويحيى وعيسى. ثم إن أول البقرة وآخرها مشابهًا لأول آل عمران وآخرها، فابتداء البقرة بالإيمان بالغيب وذكر الكتب السماوية، وهكذا افتتاح آل عمران، وختم البقرة بأن