أي المتطهرين من الأقذار والأحداث، ومن الفواحش والمنكرات، فالسياق قرينة على المعنى الأول، وذكر التوبة قرينة على المعنى الثاني، ويشير إليه السياق من حيث إن من أتى الحائض قبل أن تطهر وتتطهر يجب عليه التوبة. ومن المعنى الثاني خاصة قوله عز وجل {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}[المائدة: ٤١] وقوله تعالى حكاية عن قول لوط {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[النمل: ٥٦] أي من الفاحشة. ومنه قوله تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة: ١٢٥] أي طهراه من الوثنية وشعائرها ومظاهرها كالأصنام والتماثيل والصور.
ومن الآيات التي استعملت الطهارة فيها بمعنييها قوله تعالى:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة: ١٠٨]. فإذا تاملت هذه الآيات وعرفت استعمال القرآن لكلمة الطهارة في معنييها، ترجح عندك أن الآية التي نفسرها من هذا القبيل، فذكر الطهارة بعد الأمر بالوضوء والغسل قرينة المعنى الأول، والسياق العام، وذكر إتمام النعمة بعد الطهارة التي ذكرت بغير متعلق قرينة المعنى الثاني مضمومًا إلى الأول.
أما تفصيل القول في حكمة الوضوء والغسل - ويتضمن حكمة ما يجب من طهارة كل البدن والثياب من القذر- فيدخل في مسألتين، نبين فيهما فوائدهما الذاتية وفوائدهما الدينية.
[الفوائد الذاتية للطهارة الحسية]
(الفائدة الأولى) ما أشرنا إليه آنفًا، من كون غسل البدن كله، وغسل أطرافه يفيد صاحبه نشاطًا وهمة، ويزيل ما يعرض لجسده من الفتور والاسترخاء؛ بسبب الحدث أو بغير ذلك من الأعمال التي تنتهي بمثل تأثيره، فيكون جديرًا بأن يقيم