الصلاة على وجهها، ويعطيها حقها من الخشوع ومراقبة الله تعالى، ويعسر هذا في حال الفتور والكسل، والاسترخاء والملل، أو الحر والبرد، ونزيد ذلك بيانًا فنقول: من المعروف عقلًا وتجربة أن الطهارة دواء لهذه العوارض؛ فهي بمقتضى سنة رد الفعل تفيد المقرور حرارة والمحرور ابترادًا، وتزيل الفتور الذي يعقب خروج الفضلات من البدن كالبول والغائط اللذين يضر احتباسهما، كاحتباس الريح في البطن، فالحاقن من البول، والحاقب من الغائط، والحازق من الريح، كالمريض. وكل منهم تكره صلاته كراهة شديدة، فمتى خرجت هذه الفضلات الضارّ احتباسها، يمثنعر الإنسان كأنه كان يحمل حملًا ثقيلًا وألقاه، ويشعر عقب ذلك بفتور واسترخاء. فإذا توضأ زال ذلك ونشط وانتعش، كذلك من مس فرجه أو قبل امرأة مس جسدها بغير حائل، يحصل له لذة جسدية في بعض الأحيان، وحدوث اللذة عبارة عن تثبه أو تهيج في العصب يعقبه فتور ما، بمقتضى سنة رد الفعل، والوضوء يزيل هذا الفتور الذي يصرف النفس باللذة الجسدية عن اللذة الروحية والعقلية، ولهذا اشترط بعض من قال بنقض الوضوء بمس ما ذكر أن يكون بلذة، واكتفى بعضهم بكونه مظنة اللذة.
أما إذا بلغ الإنسان من هذه اللذة الجسدية غايتها بالوقاع أو الإنزال، فيكون ذلك منتهى تهيج المجموع العصبي الذي يعقبه بسنة رد الفعل أشد الفتور والاسترخاء والكسل، وضعف الاستعداد للذة الروحية بمناجاة الله وذكره، ولا يزيل ذلك إلا غسل البدن كله؛ فلذلك وجب الغسل عقب ذلك. واشترط بعضهم في الإنزال اللذة، ويحصل نحو هذا الضعف والفتور للمرأة بسببين آخرين وهما: الحيض والنفاس، فشرع لها الغسل عقبهما، كما شرع لها الغسل من الجنابة كالرجل. والظاهر أن سبب ما ورد في السنة من الأمر بالوضوء من أكل ما مسته النار كله هو ما فيه من اللذةلا، وخص منها لحم الإبل لأنهم كانوا يستطيبونه، أو لأنه يستثقل على المعدة فيضعف النشاط عقب أكله، ثم خفف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأمة في ذلك واكتفى بالحدث الذي هو غاية الأكل عن المبدإ، كما هو مذهب الجماهير، ومن