زال عقله بمرض عصبي أو غيره، كالإغماء والسكر وتناول بعض المخدرات والأدولة، لا ينشط بعد إفاقته إلا إذا أمسّ الماء بدنه بوضوء أو غسل، وإنني أرى هذا الدخان (التبغ والتنباك) الذي فتن به الناس في هذه الأزمنة، لو كان في زمن الشارع لأوجب الوضوء منه، إن لم يحرمه تحريمًا. ويقرب من الإغماء ونحوه النوم، ومهما اختلف الفقهاء في نقض الوضوء به هل هو لذاته أو لكونه مظنة لشيء آخر؟ وهل ينقض مطلقًا أو يشترط فيه الكثرة أو عدم تمكن المقعدة من الأرض؟ فالجماهير على وجوب الوضوء عقب النوم المعتاد.
واعلم أن هذه الفائدة تحصل بالماء دون غيره من المائيات حتى ما يزيل الوسخ أكثر من الماء كالكحول، فلا تحصل عبادة الغسل بغير الماء لإنعاشه، وكونه أصل الأحياء كلها، وهذا الذي تعبر عنه الصوفية بتقوية الروحانية للعبادة، وهو ما يدل عليه قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[المائدة: ٦] الآية. ولا ينافى روحانية المائية القطرة التي تقطر من الورد وغيره، بل تزيد المتطهر به طهارة وطيبًا وروحانية ومادة الماء معروفة.
(الفائدة الثانية من فوائد الطهارة الذاتية): ما أشرنا إليه من كونها ركن الصحة البدنية، وبيان ذلك: أن الوسخ والقذارة مجلبة الأمراض والأدواء الكثيرة، كما هو ثابت في الطب، ولذلك نرى الأطباء ورجال الحكومات الحضرية يشددون في أيام الأوبئة والأمراض المعدية - بحسب سنة الله تعالى في الأسباب - في الأمر بالمبالغة في النظافة، وجدير بالمسلمين أن يكونوا أصلح الناس أجسادًا، وأقلهم أدواء وأمراضًا، لأن دينهم مبنى على المبالغة في نظافة الأبدان والثياب والأمكنة.
فإزالة النجاسات والأقذار التي تولد الأمراض من فروض دينهم، وزاد عليها إيجاب تعهد أطرافهم بالغسل كل يوم مرة أو مرارًا، إذ ناطه الشارع بأسباب تقع كل يوم، وتعاهد أبدانهم كلها بالغسل كل عدة أيام مرة، فإذا هم أدوا ما وجب عليهم من ذلك تنتفي أسباب تولد جراثيم الأمراض عندهم، ومن تأمل تأكيد سنة السواك،