وعرف ما يقاسيه الألوف والملايين من الناس من أمراض الأسنان، كان له بذلك أكبر عبرة. ومن دقائق موافقة السنة في الوضوء لقوانين الصحة غير تقديم السواك، عليه تأكيد البدء بغسل الكفين ثلاث مرات، وهذا ثابت في كل وضوء فهو غير الأمر بغسلهما لمن قام من النوم، ذلك بأن الكفين اللتين تزاول بهما الأعمال يعلق بهما من الأوساخ الضارة وغير الضارة ما لا يعلق بسواهما، فإذا لم يبدأ بغسلهما يتحلل ما يعلق بهما، فيقع في الماء الذي به يتمضمض المتوضئ ويستنشق ويغسل وجهه وعينيه، فلا يأمن أن يصيبه من ذلك ضرر مع كونه ينافي النظافة المطلوبة. ومن حكمة تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل جميع الأعضاء، اختبار طعم الماء وريحه، فقد يجد فيه تغيرًا يقتضي ترك الوضوء به.
الفائدة الثالثة من فوائد الطهارة الذاتية: تكريم المسلم نفسه في نفسه وفي أهله وقومه الذين يعيش معهم، كما يكرمها ويزينها لأجل غشيان بيوت الله تعالى للعبادة بهداية قوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: ٣١] ومن كان نظيف البدن والثياب كان أهلا لحضور كل اجتماع، وللقاء فضلاء الناس وشرفائهم، ويتبع ذلك أنه يرى نفسه أهلًا لكل كرامة يكرم بها الناس، وأما من يعتاد الوسخ والقذارة فإنه يكون محتقرًا عند كرام الناس، لا يعدونه أهلا لأن يلقاهم ويحضر مجالسهم، ويشعر هو في نفسه بالضعة والهوان، ومن دقق النظر في طبائع النفوس وأخلاق البشر رأى بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن، أو طهارة الجسد واللباس ؤطهارة النفس وكرامتها - ارتباطًا وتلازمًا.
والطهارة في الآية تشمل الأمرين معًا كما تقدم، وكل منهما يكون عونًا للآخر. كما أن التنطع والإسراف في أي واحدة منهما يشغل عن الأخرى.
وهذا هو سبب عدم عناية بعض الزهاد والعباد بنظافة الظاهر، وعدم عناية الموسوسين المتنطعين في نظافة الظاهر بنظافة الباطن، والإسلام وسط بينهما. يأمر بالجمع بين الأمرين منهما، وإن اشتبه ذلك على بعض المحققين حتى هونوا أمر نظافة الظاهر في بعض كتبهم مع ذكرهم لأدلتها في تلك الكتب، والله تعالى يقول