للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] ولأجل هذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الطهور شطر الإيمان" رواه أحمد ومسلم والترمذي من حديث أبي مالك الأشعري وله تتمة.

وذلك أن الإنسان مركب من جسد ونفس وكماله إنما يكون بنظافة بدنه وتزكية نفسه. فطهور الجسم هو الشطر الأول الخاص بالجسد، وتزكية النفس بسائر العبادات هو الشطر الثاني، وبكلتيهما يكمل الإيمان بالأعمال المترتبة عليه.

ويؤيد ذلك ما ورد عن تأكيد الأمر بالغسل يوم الجمعة والطيب ولبس الثياب النظيفية لأنه يوم عيد الأسبوع، يجتمع الناس فيه على عبادة الله تعالى فيطلب فيه ما يطلب في عيدي السنة. وورد في أسباب الأمر بالغسل فيه خاصة أن بعض الصحابة كانوا يتركون فيه أعمالهم قبيل وقت الصلاة، فتشم رائحة العرق منهم ولا تكون أبدانهم نظيفة. وفي بعض هذه الروايات أنهم كانوا يلبسون الصوف فإذا عرقوا علت رائحته، حتى شمها النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة وهو يخطب، فكان يأمرهم بالغسل والطيب، والثياب النظيفة لأجل هذا، رواه ابن جرير وغيره، وقد روى مالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من عدة طرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" أي بالغ مكلف، وحكى ابن حزم القول بوجوب غسل الجمعة عن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعمرو بن سليم وعطاء وكعب والمسيب بن رافع وسفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد، ولكن المالكية والشافعية على كونه سنة مؤكدة، والوجوب قول الشافعي في القديم ورواية عنه في الجديد، وعارض القائلون بأنه سنة حديث الوجوب بما يدل على أن المراد به التأكيد لصحة صلاة الجمعة ممن توضأ فقط. وقال الظاهرية أنه واجب لليوم وليس شرطًا لصحة صلاتها. وقال ابن القيم: إن أدلة وجوبه أقوى من أدلة وجوب الوضوء من لمس المرأة ومس الفرج والقيء والدم (١).


(١) ٦/ ٢٥٨ - ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>