مرّ معك أيها القارئ الكريم عند حديثنا عن اختلاف التفسير الناشيء عن اختلاف القراءات - أن منه ما أنشأ اختلافًا في الأحكام الفقهية. كذلك الشأن في الاختلاف الناشيء من اللغة، قد ينجم عنه اختلاف في الأحكام الفقهية، من ذلك اختلافهم في معنى (القرء) في قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] قال الحنفية: إن القرء هو الحيض، وقال الشافعية: إنه الطهر، ومن أجل هذا اختلفوا في تفسير قوله تعالى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: ١] قال الإمام البيضاوي رحمه الله - وهو شافعي - "فطلقوهن لعدتهن" أي وقتها، وهو الطهر، فإن اللام في الأزمان، وما يشبهها للتوقيت. ومن عدّ العدّة بالحيض علّق اللام بمحذوف مثل مستقبلات وظاهره يدلّ على أن العدّة بالأطهار" (١).
ويشرح الشيخ زاده - وهو حنفي - كلام البيضاوي بما خلاصته: أن الذين عدّوا القرء الطهر وهم الشافعية، جعلوا اللام للتوقيت ومعنى كونها للتوقيت أي طلقوهن في وقت عدتهن. وعدتهنّ الطهر لأنَّ الطلاق المقبول شرعًا الذي لا يأثم صاحبه هو الذي يكون في حالة الطهر، فاللام في قوله "لعدتهنّ" متعلقة بقوله سبحانه "فطلقوهن" أي طلقوهن لعدتهن، أو في وقت عدتهن وهو الطهر.
وهذا التفسير لا يتفق مع ما ذهب إليه الحنفية من أن القرء هو الحيض، إذ يصير المعنى عندهم. فطلقوهن لعدتهن. أي في حال عدتهن، وهي الحيض وهذا غير جائز، ولذلك جعلوا اللام متعلقة بمحذوف، أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن" أي لا تطلقوهن في حالة حيضهن، بل مستقبلات لعدتهن أي بعد أن ينتهي حيضهنّ، فالمرأة في حالة الحيض تنتظر الطهر، والذي ينتظر شيئًا يكون مستقبِلًا له، فالمرأة