ما أعجب هذا الرأي الذي لا يعوزه إلا إلمام بمبادئ الصنعة اللفظية، وأحب هنا أن أقتطف أجزاء من عبارته:"ومع أننا نرى الوقوف عندما وقف عنده القرآن من أمر الدابة، ونقول: آمنا به كل من عند ربنا، فإن الذي يتبادر من روح الآيات، أنها بسبيل إثارة الرعب في نفوس الكفار وجاحدي الساعة، السامعين من الهوان والخزي الذي سوف يلقونه، حينما يأزف موعد قيامها ثم حين يتحقق قيامها ... وإن من المحتمل أن يكون ظهور هذه الدابة بين يدي الساعة، مما كان يتحدث عنه في بيئة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومما كان يرويه اليهود .. ومن الجدير بالتنبيه إليه أن الضمير في جملة {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} في الآية الأولى. عائد كما هوالمتبادر، إلى الكفار العرب السامعين للقرآن الذين وصفوا في الآيات التي قبل هذه الآية، بالموتى والصم والعمي، وهذا يقتضي أن يكون الضمير في {تُكَلِّمُهُمْ} راجعًا إليهم أيضًا، وأن يكون التقريع والإنذار والترهيب موجهًا إليهم في الدرجة الأولى، وكثير من هؤلاء قد أسلموا، والذين ظلوا على كفرهم هلكوا، وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة آلاف لا تُحصى من السنين، ولم تذكر الروايات والأحاديث المسندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أن الله يحيي الكفار الجاحدين لتكلمهم الدابة ... ".
[الأستاذ دروزة يرد على حملات المستشرقين]
الناظر في تفسير الأستاذ دروزة، يجد نفسه أمام مواقف، بعضها يستدعي الدهشة والاستغراب، وبعضها الثناء والإعجاب، ومن هذه الأخيرة ما عقب به المفسر الفاضل على المستشرقين في كثير من أباطيلهم ومكائدهم فمن ذلك:
١ - تفسيره لسورة القلم يقول: "ولقد حاول الأغيار أن يجدوا في جنات القرآن مغمزًا بالدين الإسلامي، بزعم أن ذلك يثير الأنانية والطمع في المسلمين، ويجعلهم لا يفعلون الصالحات إلا رغبةً في الأجر الشخصي. ويخرج صفة الحياة الأخروية من نطاقها الروحاني التجريدي، أما إثارة الطمع والأنانية. فالبداهة تقضي بأن تكون الحياة الأخروية وجناتها قاضية عليها، لأن الإنسان الذي يؤمن بأنه إذا