للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: تطور الدراسة البيانية للقرآن]

بدأت حركة التأليف في المفسير في القرن الثاني الهجري، وبدأ معها جنبًا إلى جنب التفسير اللغوي للقرآن. وليس معنى هذا أن المعاني البيانية في القرآن لم تظهر إلا في هذا الوقت، فالعرب الذين انزل القرآن بلغتهم، كان البيان فيهم سجية ولهم طبعًا. والمطلع على تفسيراتهم يجد أن فيها حظًّا وافرًا من هذا الاتجاه، وعلى سبيل المثال نجد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، يفسر الرزق بالشكر في قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: ٨٢] (١) وابن عباس رضي الله عنهما يقول في قول الله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} [البقرة: ٢٦٦] إنها ضربت مثلًا. ويقول في قول الله تعالى. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد: ١٧] (٢)، إن المراد إحياء القلوب (٣) لأن إحياء الأرض معلوم، وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يبين سر الإعجاز في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] يقول لو شاء الله تعالى لقال أنتم فكنا كلنا. ولكن قال: (كنتم في خاصة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ومن صنع مثل صنيعهم) رواه ابن جرير (٤) وابن أبي حاتم، وهذا عروة بن الزبير رضي الله عنه يسأل السيدة عائشة رضي الله عنها، عن السعي بين الصفا والمروة، وعما أشكل عليه في ذلك تقول: (لو كان كما قلت، لقال الله تعالى. (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما) (٥).

فنحن نرى من هذه الآثار أن بعضها أشار إلى ناحية النظم، ويعضها أشار إلى الصور البيانية وما تحدث في النفوس من أثر، وهذان البابان أرقى ما تَوَصَّل إليه من دراسة الإعجاز.


(١) أخرجه الترمذي -كتاب التفسير- تفسير سورة الواقعة.
(٢) جامع الأصول، جـ ٢ ص ٤٥٠.
(٣) لأن إحياء الأرض بدهي لا يحتاج إلى هذا التأكيد.
(٤) جـ ٤ ص ٢٩.
(٥) البخاري جـ ٦ ص ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>