المقدس وحشر فيه حشرًا، أصبح عندهم من صلب كلام الله، فرض على كل يهودي أن يؤمن به كذلك، وإلا رموه بالردة أو الهرطقة والخروج" (١).
[رده الشبهات]
ونجده يردّ كثيرًا من شبهات اليهود والنصارى، من ذلك ما أورده في رد قولهم: {وَقَالوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥)} [البقرة: ١٣٥]، قال: "لكي يتضح المعنى الحقيقي لرد الله على قولهم ينبغي أن نضع في أذهاننا أمرين:
١ - أن اليهودية والنصرانية قد ولدتا بعد موت إبراهيم -عليه السَّلام- بردح طويل، فظهرت اليهودية بطقوسها وشعائرها ولوائحها وقوانينها وتعاليمها الخاصة، وتسمَّتْ بهذا الاسم قبل الميلاد بقرابة أربعة قرون، أما المسيحية فتسمت بهذا الاسم، وتبنت عقيدتها الخاصة وشكلها المميز بعد المسيح -عليه السَّلام-.
وبذا يتضح أن ادعاءهم ضرورة أن يكون المرء يهوديًّا أو نصرانيًّا لينال هداية الله ادعاء يتعذر الدفاع عنه تاريخيًا؛ لأنه يعني أن إبراهيم وعيسى وموسى وسائر الأنبياء الآخرين الذين مضوا منذ أزمان سحيقة قبل ابتداع اليهودية والنصرانية لا يمكن عدّهم من زمرة المهتدين، لسبب يسير هو أن هذه الأديان المزعومة (اليهودية والنصرانية) لم يكن لها وجود حين كان هؤلاء الأنبياء يعيشون في بقاع العالم، ولهذا اتضح أن اهتداء الإنسان لا يعتمد في أساسه على الخصائص الدينية التي بسببها انقسم اليهود والنصارى وغيرهم على فِرَق نحتلفة، وإنما يعتمد على اختياره ذلك الصراط المستقيم الشامل الذي يستمد الإنسان منه الهداية في كل حين.
٢ - أن هذا الرد يعني كذلك تعريف اليهود والنصارى بأن كليهما مشرك بالله، وبذا فقد حادوا عن سبيل إبراهيم -عليه السَّلام- الذي لم يشرك مع الله أحدًا في العبادة