أخلاقه، وشرف منازعه وجمعه بين الشمائل الباهية والمعارف المتناهية، بحيث إن كل من كان يدخل دمشق ويتعرف إلى ذلك الحبر الفاضل والجهبذ الكامل، كان يرى أنه إن لم يكن فيها إلا ملك الذات البهية المتجلية بتلك الشمائل السرية والعلوم العبقرية، لكان ذلك كافيًا في إظهار تفوقها على سائر البلاد، وإثبات أن أحاديث مجدها موصولة الإسناد.
أما جميل العظم فيقول: انفرد جمال الدين بفضائل أثيرة، ومناقب كثيرة، وصبر لصدمات المهاجمين من المتفقهية والقصاص والمخرفين، وله معهم مواقف، حافظ فيها على سكينته ووقاره، ولم يتجاوز فيهما حد المدافعة، فلم يسمع له فيها قعقعة مراء، ولا صليل جدل، فكان جمال الدين في خلقه كجمال الدين في فارس، وصديّق خان في الهند، والأستاذ الإمام في مصر، ولم أر في الرجال من استقام على الطريقة بعد أولئك الثلاثة مثل الجمال القاسمي إلا أن يكون صاحب المنار).
[أفكاره وآثاره]
هذا عن ثقافة الشيخ، أما أفكاره وآراؤه، فلعل مما يلقي ضوءًا عليها ما يذكره عن نفسه من أنه مثل أمام المحكمة، التي كان من أعضائها مفتي الشام وقاضيها، حيث وجهت إليه تهمة الاجتهاد، وعدم الاكتراث بآراء الفقهاء، وابتداع مذهب يسمى مذهب الجمالي، وأنه عاكف مع جماعة معه على قراءة كتب التفسير والحديث، ونبذ الكتب الفقهية، وكما وجهت إليه هذه التهمة، وجهت إلى عدد من العلماء لكن أحدًا منهم لم يوقف على ذمة التحقيق سواه، ولعل مما يزيدنا معرفة بشخصيته وآرائه العلمية التي تركها آثاره العلمية.
[آثاره العلمية]
وهب القاسمي القدرة على التأليف والجمع. منذ حداثة سنه، وقد كان رحمه الله يكتب دون انقطاع، حتى في أيام المرض، وأكثر كتاباته في خدمة الشريعة