يتناول سيد رحمه الله موضوع العقيدة تناول فقه وفهم، مثبتًا تارة ورادًا ومعترضًا تارة أخرى، ولقد بحث علماء الأديان هذه المسألة وتبعهم كثير من الكتاب المسلمين، ووصلت بهم أبحاثهم إلى أن العقيدة رافق تطورها تطور هذا الإنسان، فمن عهد تعدد الآلهة إلى عهد التمييز والترجيح إلى عهد التوحيد الخالص، وكأن الأمر عند هؤلاء أن العقيدة تمامًا كالصناعة والعلوم المتعددة وهذا في الحقيقة يؤدي إلى نتيجة خطيرة كل الخطورة وهي أن هذا الأساس هو الذي لعب دورًا كبيرًا في تشذيب هذه العقيدة وتهذيبها، ولكن سيدًا رحمه الله لم يمر على هذه المسألة دون أن يبين ما تنطوي عليه من مزالق، فها هو يترصد ويتحسس ما يكتبه الكاتبون ليفنده ويرده، حتى إن كان هؤلاء ممن كان له معهم ماض كثير الصلات متين الروابط، فهو يقول (١):
(إن قوم نوح هؤلاء ... هم ذرية آدم ... وآدم ... قد هبط إلى الأرض ليقوم بمهمة الخلافة فيها، بعد أن علمه ربه كيف يتوب من الزلة التي زلها، وكيف تلقى من ربه كلمات فتاب عليه بها، وكيف أخذ عليه ربه العهد والميثاق -هو وزوجه وبنوه- أن يتبع ما يأتيه من هدي الله، ولا يتبع الشيطان وهو عدوه وعدو بنيه إلى يوم الدين.
وإذن فقد هبط آدم إلى الأرض مسلمًا لله متبعًا هداه ... وما من شك أنه علم نبيه الإسلام جيلًا بعد جيل، وأن الإسلام كان هو أول عقيدة عرفتها البشرية في الأرض حيث لم تكن معها عقيدة أخرى، فإذا نحن رأينا قوم نوح -وهم من ذرية آدم بعد أجيالٍ لا يعلم عددها إلا الله- قد صاروا إلى هذه الجاهلية ... فلنا أن نجزم أن هذه الجاهلية طارئة على البشرية بوثنيتها وأساطيرها وخرافاتها وأصنامها