للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتاج إلى بيان، وليس القرآن كله كذلك، كيف وهم عرب خُلَّص أثر فيهم القرآن الكريم، حتى قبل أن يسلموا، بل أثر فيمن استمر على كفره، وهذه الآية الكريمة: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} تبينها آية أخرى من كتاب الله، وهي قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: ٦٤] فهذه الآية الكريمة صريحة بأن بيان النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنما كان لما اختلف فيه الصحابة واحتاجوا إلى معرفته، كما سأبينه لك إن شاء الله، فما قاله الأستاذ الذهبي -رحمه الله- غير مسلَّم.

هل كان تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- مقتصرًا على ما علمه جبريل عليه السلام؟

وإذا كان هذا القول يعوزه الدليل، فإن هناك قولًا آخر حريًا بالرد وعدم القبول، وهو أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام، ما كان يفسر من القرآن الكريم إلا آيًا بعدد، علمه إياهن جبريل.

وهذا حديث مطعون فيه -كما ذكر الامام الطبري في مقدمة تفسيره (١) وذلك لأنه من رواية محمد بن جعفر الزبيري، وهو متروك ومنكر الحديث كما قال الحافظ، وقد قال فيه الحافظ الهيثمي: وأخرجه أبو يعلى والبزار وفيه راوٍ لم يقرر اسمه عند واحد منهما (٢). وإذا كان الطبري وغيره قد طعنوا في سند الحديث فإني أرى أن الحديث يمكن أن يناقش من ناحية أخرى أعني ناحية متنه وذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما يقول الحديث- ما كان يفسر إلا آيًا بعدد، والى هنا لا غبار على متن الحديث، وهو معقول ومقبول، ولكن تتمة الحديث وهي (علمه إياهن جبريل) هي التي يمكن أن تجعلنا نرد الحديث من أساسه، فإذا كان الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، وهو الذي كرمه الله بالرسالة والنبوة والوحي وأعطاه من الفهم والفقه ما لم يعطه أحدًا، لا يفسر إلا ما يعلمه إياه جبريل، فكيف يمكن لغيره من


(١) ص ٨ - ٨٩.
(٢) مجمع الزوائد (٦/ ٣٠٣) طبعة دار المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>