للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم ألفاظه، وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية".

فابن تيمية رحمه الله لم يقل هذا، ولا في كلامه المنقول آنفًا ما يدل على هذا. وكل الذي يدل عليه أن آيات القرآن الكريم كانت مفهومة تمامًا للصحابة رضوان الله عليهم، إما ابتداءً لأن الكلام بلغتهم، وهذا هو الغالب، وإما بعد بيان منه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو القليل النادر.

وأكبر دليل على أن هذا هو مراد ابن تيمية من كلامه ما ذكره في موضع آخر من مقدمته حين قال: (فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فُسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر.

فإن أعياك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: (كل ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مما فهمه من القرآن .. وحينئذ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لا سيما علماؤهم، وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين المهديين، وعبد الله بن مسعود) (١).

فكلام ابن تيمية صريح في أنّنا إذا لم نجد تفسير القرآن الكريم في السنّة النبوية فلنبحث عما قاله الصحابة في تفسير القرآن، بل التابعون رضي الله عنهم جميعًا بل إن الأدلة التي يمكن أن يستند إليها من يرى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن كله، إن وجد هذا القائل -ولا إخاله كذلك- أقول إن الأدلة التي يمكن أن يُركن اليها، لا تثبت هذه الدعوى، فمنها قول الله تبارك وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فإن المفهوم من هذه الآية الكريمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين لهم ما


(١) مقدمة في أصول التفسير ص ٩٣ - ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>