للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأذى، ومن الرذائل والمنكرات والعقائد الفاسدة فتكونوا أنظف الناس ابدانًا وأزكاهم نفوسًا وأصحهم أجسامًا وأرقاهم أرواحًا {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} بالجمع بين طهارة الأرواح وتزكيتها، وطهارة الأجساد وصحتها، فإنما الإنسان روح وجسد، لا تكمل إنسانيته إلا بكمالهما معًا. فالصلاة تطهر الروح وتزكي النفس لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتربي في المصلي ملكة مراقبة الله تعالى وخشيته لدى الإساءة. وحبه والرجاء فيه عند الإحسان، وتذكره دائمًا بكماله المطلق فتتوجه همته دائمًا إلى طلب الكمال (١)، والطهارة التي جعلها الله تعالى شرطًا للدخول في الصلاة، ومقدمة لها، تطهر البدن، وتنشطه، فيسهل بذلك العمل على العامل من عبادة وغير عبادة، فما أعظم نعمة الله تعالى على الناس بهذا الدين القويم! وما أجدر من هداه الله إليه بدوام الشكر له عليه! ولذلك ختم الآية بقوله {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: ٦] أي وليعدكم بذلك لدوام شكره فتكونوا أهلًا له ويكون مرجوًا منكم، لتحقق أسبابه، ودوام المذكرات به، فتعنوا بالطهارة الحسية والمعنوية، وتقوموا بشكر النعم الظاهرة والباطنة.

وقد استعمل لفظ "الطهارة" في بعض الآيات بمعنى الطهارة البدنية الحسية وفي بعضها بمعنى الطهارة النفسية المعنوية، وفي بعض آخر بالمعنيين جميعًا بدلالة القرينة.

فمن الأول قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤] وقوله تعالى في النساء الحُيَّض {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] أي من الدم {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] أي اغتسلن بعد انقطاع الدم {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢] وختم الآية بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢] والتطهر فيه شامل للطهارتين الحسية والمعنوية


(١) راجع تفسير قوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] الجزء الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>