بين المرء وقلبه، فهو يحول بين المرء وقلبه بالتمكين والإحباط لطفًا ورحمة ليقي أحباءه السيئات، وليقدم التيسيرات لكل حسب ضميره ونيته ومبادراته، (إما لليسرى وإما للعسرى. .) وسياق الآية كما يتدبره المتدبر بعيد عما ذهب إليه، ولا ينسجم ما قاله مع نص الآية إذ ينبغي أن تؤخذ الآية دون بتر وتجزئة. وهذه هي الآية الكريمة من سورة الأنفال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. ففي الآية أمر صريح بوجوب الاستجابة لله وللرسول، وذلك أنه لا يدعوهم إلا لما فيه الحياة الكريمة، وهو يحثهم على المسارعة وعدم التسويف، من قبل أن تذهب الفرصة، ويفوت الأوان، فيحال بينهم وبين ما يريدون عمله وتنفيذه، بشتى الأسباب من موت وغيره، ثم يأتي دور المحاسبة على هذا التقصير {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ولعل ما يساعد على هذا المعنى الآية التالية: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: ٢٥].
ولقد طوّف المؤلف كثيرًا وهو يتحدث عن القدر، فوفق حينًا وأخطأ حينًا، وختم هذا الفصل بقوله:(بهذه الكلمات التي تضيء كالومض الخفي، يعطي القرآن المفتاح لأكبر المشكلات استعصاء في الفلسفة. . مشكلة الجبر والاختيار).
ولعل هذا القول لا يتفق مع ما قدره في هذا الفصل من أن نهي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أصحابه -رضوان الله عليهم- عن أن يخوضوا في القدر كان نهيًا مؤقتًا، لأن الفلسفة لم تدخل الجامعات بعد. فالقرآن وحده إذًا -كما يعترف المؤلف- هو الذي يحل كل مشكلة مستعصية. وفهمنا للقرآن نصًّا وروحا ولفظًا ومعنى، لا يداني فهم الصحابة -رضوان الله عليهم-، وقد أشرق فيهم نور النبوة، ونالوا بركة الوحي وها هي الفلسفات قد دخلت الجامعات، فهل حلّت هذه المشكلات؟ إنها لم تزد الأمور إلا تعقيدًا.