للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد (١). هذا ما يقوله القرآن، فكيف يمكن أن نقول نحن غير ذلك؟ .

والأعجب من هذا قوله: إن الله يقول عن قرآنه: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}. والقرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، لم ترد فيه هذه العبارة عنه، فلا أدري كيف تسرع المؤلف ونسبها فجعلها خاصة بالقرآن. وهذه هي الآية الكريمة التي وردت فيها هذه العبارة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: ٢٦]. ومن هذه الآية نتبين أن هذه العبارة ليست عن القرآن، وأن الضمير في قوله (به) إنما هو للمثل.

ومن هذه العبارات قوله: (إن الله يريد للإنسان ما يريد لنفسه) (٢) ومن كان له أدنى معرفة بالدين، يدرك مما جاء فيه عن الإرادة، إن عبارته تعوزها الدقة التعبيرية كما يعوزها المنهج العلمي، فليست إرادة الله تابعة لإرادة الإنسان، فما أكثر ما يريده الإنسان، ولكن الله يريد غيره. يقول الله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] ويقول الرسول عليه وآله الصلاة والسلام: (أردنا أمرًا وأراد الله أمرًا والذي أراد الله خير) (٣). ويقول أيضًا: (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) (٤).

ويستمر في حديثه عن موضوع القدر، فيفسر الآية الكريمة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: ٢٤]، بقوله (ومعنى هذا أن الله يدع القلب حرًّا، فتكون لكل إنسان سريرة هو حر فيها. ولكنه يقيم سلطانه


(١) الكشاف جـ ١ ص ٣٤.
(٢) ص ٣٩.
(٣) أخرجه ابن جرير جـ ٥ ص ٣٧.
(٤) سنن أبي داود جـ ٤ ص ٤٣٥ - ٤٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>