للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل الثاني فيشير إليه الحديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد).

ويظهر واضحًا في عبارات المؤلف عدم الدقة في التعبير. وهذا لا ريب ينشر الاضطراب والتشويش في أجواء نفوس القراء، فمثلًا: يمزج بين الروح والنية، وهو يتحدث عن الضمير والسريرة. فيعدّ الروح قدس أقداس، وحرمًا محرمًا لا يدخلها جبر وقهر (١) ولا يرغم الله جنده على اقتحامها. والروح كما نعلم قسيمة الجسم، وهي بهذا المعنى الذي نعرفه لا تتناسب مع ما أورده من عبارات، ومن هذا قوله: (ولعدم الجبر والقهر، أخفى الله نفسه في الإنجيل، وأخفى نفسه في القرآن، لأنه لم يرد أن يلجمنا بالتجلي القاطع الفاصل، فيقهرنا عبى الإيمان قهرًا) (٢). ومعلوم أن هذه الكتب إنما أنزلها الله ليعرفه عباده، معرفة صحيحة تليق بجلاله، فليس من الدقة والأحكام أن يقال إن الله أخفى نفسه في هذه الكتب! .

ومن عباراته: إن الله جعل من التوراة والإنجيل والقرآن كتبًا يمكن أن نؤمن بها ويمكن أن نشك فيها. وقال عن قرآنه: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} (٣). ولكننا حينما نتأمل أول سورة في القرآن بعد الفاتحة، نجد هذه الآية الكريمة {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢]. فإذا بحثنا عن معنى هذه الآية، وما فيها من روعة الصورة البيانية والجمال الفني، وجدنا ما يأخذ اللب.

يقول الزمخشري موضحًا وكاشفًا لتلك الروعة: (فإن قلت لم آخر الظرف هنا، وقدمه في قوله: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} ويجيب بما معناه بأن قوله: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} (إنما قصد به، أنها ليست كخمر الدنيا التي فيها تلك الصفة، أما قوله: {لَا رَيْبَ فِيهِ} فليس المراد نفي الريب عنه، وإثباته في غيره من الكتب، وإنما المقصود: نفي الريب بحيث ينبغي أن لا يقع. فكأنه يقول: هذا القرآن ليس من شأنه أن يرتاب فيه


(١) ص ٣٥.
(٢) ص ٣٧.
(٣) ص ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>