فعلتم ذلك كله، بتأثير آبائكم أولي الفضل عليكم؟ الحق أن القرآن قال عكس هذا، ألم ينعَ القرآنُ على الذين اعذروا بتقليد الآباء، فسفههم ورد حججهم، وإذا كان للعرف والتقاليد والأخلّاء والأصدقاء أثر في ذلك، فَلِمَ قال القرآن وهو يحدثنا عن مشهد من مشاهد يوم القيامة: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَاليْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: ٢٧ - ٢٩].
لقد طلب الإسلام من كل مسلم أن يتمرد على البيئة والعرف والتقاليد. حتى الوالدين فلا يطيعهما في شركهما، إن تعذر التوافق التام بين هذه كلها وبين دينه، وعليه أن يختار إما هذه كلها وإما الإسلام {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: ٢٢] ثم ألم يجعل القرآن الكريم، ذنب المستضعفين الذين كانت جريمتهم بعوامل التأثير ألم يجعل القرآن ذنب هؤلاء وعقويتهم، تمامًا كعقوبة الذين أضلّوهم {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَال لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: ٣٨]. وهذا كثير في كتاب الله وسنة رسوله عليه وآله الصلاة والسلام، فكيف يمكننا بعد ذلك أن نتمشى مع الكاتب أو نسكت عليه فيما قال؟ وبعد هذا يعلم بطلان قوله:(إن ما يدور في القلب هو موضوع المحاسبة بالدرجة الأولى، وليس ما يجري على مسرح الفعل).
فعلماؤنا جزاهم الله خيرًا، قرروا أن العمل لكي يكون مقبولًا عند الله، وصاحبه غير محاسب، لا بد أن يَصْلُح ظاهرًا وباطنًا. فهل يكفي لصحة الصلاة أن أُحسن نيتها، دون الالتزام بما لها من شروط وأركان؟ . ولقد نقل الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله (١)، عن كبار الأئمة، أن هذا الدين مبني على هذين الأصلين: أمّا الأصل الأول فيشير إليه قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيّات) وأما