لقد أراد الإمام أن يقرب البعيدين عن الدين، ولكنه رحمه الله نسي أنه بعمله هذا يقرب المتدينين من غيرهم كما قال الشيخ مصطفى صبري رحمه الله. ولقد قدم الإمام تنازلات كثيرة حينما فتح باب التأويل. هذه التنازلات رأينا لها أسوأ الأثر فيما بعد، وبخاصة عند هؤلاء الذين لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، بينما يعجبك قولهم في الحياة الدنيا.
كنا نود من الإمام رحمه الله، أن يكتفي بما قاله السلف والخلف، في تفسير تلك الآيات. وألا يشتط فِي التأويل، وهو أعلم بسنن الله من كثير من الناس في مثل قول الله {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}[الأنعام: ١١١]. إن هذه الآيات التي أولها الإمام لا تحتمل هذا التأويل. وكما هي قطعية في ثبوتها فهي قطعية في دلالتها كذلك. نعم، إن قطعية الدلالة وإن لم تستفد من اللفظ نفسه، لكنها هنا تستفاد من أمر آخر وهو ذكرها في مواطن كثيرة. فلقد ذكرت هذه القصة في القرآن الكريم مرات كثيرة، ومثلها لفظ الملائكة. وقول الإمام بأن مجموع ما ورد في الملائكة فيه إيماء للخاصة بما هو أدق من ظاهر العبارة، لا نرضاه منه ولا نسلمه له؛ ذلك أن عبارات القرآن غاية في الوضوح، بحيث يكون الخروج عن ظاهر معناها ذهابًا إلى الرمزية والإشارات الخفية التي يستنكرها أمثال الإمام.
وإذا كانت أخبار الملائكة في القرآن يمكن أن يفهم منها ما هو أدق من عبارتها، فجائز أن يقال ذلك كذلك في آيات البعث ومعجزات الأنبياء وغير ذلك من الآيات! .
وقوله بأن الذي لا يبالي بالتوقيف يسميها قوى طبيعية، وبأن الحقيقة واحدة وبأنه يحظى بما يحظى به المؤمنون قول خطير عجيب، وأعجب منه أن يصدر من الأستاذ الإمام.
إن ألفاظ القرآن عربية واضحة محددة المفاهيم، وتعم الفوضى حينما تفقد