وعلِّمه التأويل" فإن كان التأويل مسموعًا كالتنزيل، مما فائدة تخصيصه بذلك؟
وإنما النهي يحمل على أحد وجهين.
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأوّل القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتجّ على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.
وهذا النوع يكون تارة مع العلم، كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أنْ ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يُلبِّس على خصمه.
وتارة يكون مع الجهل، وذلك إذا كانت الآية محتملةً، فيميل فهمُه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويترجَّح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسَّر برأيه، أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه.
وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلًا من القرآن، ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول: قال الله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}[طه: ٢٤]، ويشير إلى قلبه، ويومئ إلى أنه المراد بفرعون.
وهذا الجنس قد استعمله بعض الوعَّاظ في المقاصد الصحيحة، تحسينًا للكلام، وترغيبًا للمستمع، وهو ممنوع.
وقد استعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة، لتغرير الناس، ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل، فينزِّلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعًا: أنها غير مرادة به.
فهذه الفنون: أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي.
والوجه الثاني: أن يسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما