طلب من الشيخ الصالح أبي المحاسن القاوقجي أن يسلكه الطريق على أسس من الرياضة الروحية والمجاهدة لأنه لا يريد الاكتفاء بقراءة الأوراد وحضور اجتماع ذكرها. فأجابه الشيخ:(إنني لست أهلًا لما تطلب، فهذا بساط قد طوي وانقرض أهله). ثم سلك طريق السادة النقشبندية، وحافظ على أورادها.
ولم يكن الشيخ في تصوفه انعزاليًا عن الناس، بل أفاده التصوف الجرأة، فهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويبدو أن الشيخ قد وهبه الله منذ نشأته، حرية في التفكير، وحبًّا للبحث عن الحق، وصلابة في الدفاع عن رأيه، فلقد تأثر بكتب السنّة كثيرًا، حتى إنه ليرد على كثير من البدع، التي كانت منتشرة في ذلك الوقت. كما تأثر بقراءة كتاب (الزواجر) لابن حجر الهيتمي رحمه الله، فحارب بدع البناء على القبور وتعظيمها، وله في ذلك حوادث شهيرة. كل ذلك في حداثة سنه، وهو لم يطلع بعد على كتب ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى. بل كان لا يرتاح لهما، لأنه كان متأثرًا بما كتب ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية، وبقي كذلك إلى أن قرأ كتابًا في طرابلس للشهاب الألوسي وهو (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فتطلعت نفسه لدراسة كتبهما.
على أن السيد محمد رشيد، لم يقصر كل همه على القول من تعليم للناس ومحاربة للبدع، بل إنه شارك قلمه لسانه، فكانت له رسائل وقصائد وأهمها (المقصورة الرشيدية) التي عارض فيها مقصورة ابن دريد، وهي تزيد على أربعمائة بيت، وقد أُعجبَ بها بعض فحول الشعراء، كالبارودي وحافظ إبراهيم رحمهما الله، كما ألف كتاب (الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية)، وقد ردّ فيه على الشيخ أبي الهدى الصيادي، كما ذكر فيه كثيرًا من المسائل العلمية. هذا هو رشيد كما عرفته بلاد الشام، عالم عرف بجرأته في الحق، وبفكره الحر وإجادته في الكتابة، وهذه هي المرحلة الأولى من حياته قبل رحيله إلى مصر.