للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسأكتفي هنا بنقل فقرات مما يتصل اتصالًا مباشرًا بما أتحدث عنه من عبارات الأستاذ الإمام، يقول عند تفسير قول الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وإنما عبر بهذه العبارة، ولم يقل (فصوموه) لمثل الحكمة التي لم يحدد القرآن مواقيت الصلاة لأجلها، وذلك أن القرآن خطاب الله العام لجميع البشر، وهو يعلم أن من المواقع ما لا شهور فيها، ولا أيام معتدلة، بل السنة كلها قد تكون فيها يومًا وليلة تقريبًا كالجهات القطبية، وهذا من الآيات الكبرى، على كون هذا القرآن من عند الله المحيط علمه بكل شيء) (١).

وعند تفسير قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} يرد ما قاله الجلال من أن الرأفة شدة الرحمة، وقدمت عليها مع أنها أبلغ منها مراعاة للفاصلة. فيقول: (إن كل كلمة في القرآن موضوعة في موضعها اللائق بها، فليس فيه كلمة تقدمت، ولا كلمة تأخرت لأجل الفاصلة، لأن القول برعاية الفواصل إثبات للضرورة، كما قالوا في كثير من السجع والشعر، إنه قدم كذا وأخر كذا لأجل السجع ولأجل القافية، والقرآن ليس بشعر ولا التزام فيه للسجع، وهو من الله الذي لا تعرض له الضرورة، بل هو على كل شيء قدير، وهو العليم الحكيم، الذي يضع كل شيء في موضعه، وما قال بعض المفسرين مثل هذا القول، إلا لتأثرهم بقوانين البلاغة، وغلبتها عليهم في توجيه الكلام، مع الغفلة في هذه النقطة عن مكانة القرآن في ذاته، وعدم الالتفات إلى ما لكل كلمة من مكانها من التأثير الخاص عند أهل الذوق العربي ... وعندي أن الرأفة أثر من آثار الرحمة أعم، فإن الرأفة لا تستعمل إلا في حق من وقع في بلاء، والرحمة تشمل دفع الألم والضر وتشمل الإحسان وزيادة الإحسان، فذكر الرحمة هنا فيه معنى التعليل والسببية، وهو من قبيل الدليل بعد الدعوى، فهو واقع في موقعه كما تحب البلاغة وترضى) (٢).


(١) تفسير المنار جـ ٢ ص ١٦٢.
(٢) تفسير المنار جـ ٢ ص ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>