ب - وفريق ثان سلم بالمعجزة من حيث هي وبوقوعها في الأمم السابقة على يد الأنبياء السابقين -صلوات الله وسلامه عليهم- كما ورد ذكر ذلك في القرآن، ولكنه نفاها فيما يتعلق بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته نفيًا تامًّا، واحتج لذلك بأنها لم ترد في القرآن، وبتصريح القرآن برد الكفار عن مقترحاتهم هذه مع عدم إجابتهم إليها، حتى ورد ذلك صريحًا في نحو الآية الكريمة:{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}[الإسراء: ٥٩]، وجرَّحوا ما جاء في ذلك من الأخبار الصحيحة وأوَّلوا ما رأوا أنه يحتمل التأويل منها، وقالوا إن المعجزة الكبرى لنبينا - صلى الله عليه وسلم - هي القرآن الكريم، واستدلوا لذلك بما قدمت من حديث الشيخين والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"ما من نبي من الأنبياء إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة". قالوا فهذا الحديث الصحيح والآيات الكريمة تنطق بأن آية النبي - صلى الله عليه وسلم - هي القرآن الكريم ولا نعدل عن ذلك لآثار مهما صحت فهي لا تنهض لمعارضة هذه الأدلة.
وهؤلاء قوم غالون قد ورَّطوا أنفسهم فيما لا موجب له من تجريح كثير من الأحاديث والأخبار الصحيحة التي لا مغمز فيها سندًا ولا متنًا وكلها تنطق بغرائب المعجزات التي وقعت على يد سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في حديث نبع الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - وقد أخرجه الستة إلا أبا داود، وكما في حديث تكثير الطعام وقد رواه الشيخان من طرق عدة، وكما في الأحاديث الكثيرة التي استجاب الله فيها دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو كف عنه الأذى أو أخبر فيها بما سيقع لأمته من بعده، وكلها صحاح لا مطعن عليها ولا داعي لتأويلنا أو إنكارها من عقل أو نقل.
ج - وفريق ثالث سلَّم بالمعجزة من حيث هي وبوقوعها للأنبياء السابقين -صلوات الله وسلامه عليهم- وبوقوعها في هذه الأمة على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -