على صلاة الجنازة بدليل قوله سبحانه:{مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}.
٢ - ومن الأمثلة على ذلك ما ورد من لفظ الزكاة في الآيات المكية مثل قوله سبحانه: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٦ - ٧] وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[المؤمنون: ٤] فلا يمكن أن تحمل الزكاة هنا على الزكاة المفروضة التي فُرضت بعد الهجرة.
٣ - قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: ١٧ - ١٨] فالمعنى اللغوي لقوله {لا يستثنون} لا يتركون شيئًا للمساكين. أما المعنى الشرعي للاستثناء فهو الاستثناء في اليمين أي قول الحالف "إن شاء الله" وقد حمل كثير من المفسّرين هذه الآية على هذا المعنى أي أقسموا ليصرمنها مصبحين وكم يقولوا إن شاء الله. ومن المستغرب أنّ شيخ المفسِّرين ابن جرير الطبري وإمام البيان الزمخشري اقتصرا على هذا القول. والذي يبدو، بل الذي ينبغي أن تُحمل الآية عليه أنّ معنى قوله سبحانه {ولا يستثنون} أنهم أقسموا ليصرمنّ جنّتهم ولا يتركون شيئًا للفقراء والمساكين. ذلك لأنَّ معنى الاستثناء الشرعيّ إنّما عُرف بعد الهجرة وسورة (ن) مكية بإجماع، بل إنها ممّا نزل مبكرًا هذا أولًا، وأمَّا ثانيًا فلأنهم لو قالوا (إن شاء الله) فلا يُعدّ ذلك فضيلة لهم لأنهم علّقوا المشيئة على معصية. ومن هذا المثال ندرك أن أقوال المشاهير من العلماء أو إجماعهم على قول ليس له سند من الشرع أو اللغة لا يُلزَم أحدٌ بقبوله. وهذا لا ينتقص من قدرهم رحمهم الله.
بل نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو أننا قد نردّ بعض أقوال لمشاهير المفسّرين معتذرين كلّ العذر عن عدم قبولها، من ذلك مثلًا ما ذكره الإمام الطبري عند تفسير قوله سبحانه:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[الإسراء: ٧٩] حيث ذكر أن أكثر العلماء رأوا أن المقام المحمود هو الشفاعة، وأنّ مجاهدًا - وهو من أشهر تلاميذ ابن عباس -رضي الله عنه - خالف المفسّرين جميعًا، وقال: المقام المحمود معناه أن الله يُجْلس النبي - صلى الله عليه وسلم - معه على العرش. ومع أنّ الطبري