للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى. {لَا يَبْغِيَانِ} لا يتجاوزان حديهما، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة) (١). والذي قاله لم يخرج عنه المفسرون القدامى.

ولكن الأستاذ العابري رحمه الله، بعد أن ذكر أقوال المفسرين في الآية وشرح ما أثبته التحليل العلمي عن المحيطات والمضائق والبزازخ المائية قال (٢): (وعلى ضوء التحليل العلمي الحديث الذي سبق تلخيصه، نعود إلى تدبر الآية الكريمة، فيظهر لنا مفهومها منسجمًا مع الحقائق المتوصل اليها، في برزخي مضيق باب المندب، ومضيق هرمز، أكثر من البرازخ المائية الأخرى وذلك لأمرين:

الأول: أنَّ الآية التي عقبت الآية المذكورة مباشرة، وهي {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} تدلنا على تحديد الموضع، إذ يكثر اللؤلؤ والمرجان (بدرجة هائلة في البحر الأحمر وخليج البصرة وخليج عُمان من المحيط الهندي، حيث تعيش الحيوانات المرجانية واللؤلؤية في المياه الحارة. بينما ينعدمان تقريبًا حوالي مضيق جبل طارق، ومضيق البسفور والدردنيل، حيث المناطق المعتدلة التي لا تعيش فيها تلك الحيوانات.

الثاني: أنَّ الآيات القرآنية التي جاءت بإحداث تاريخية أو ظواهر طبيعية، هي التي وقعت في الجزيرة العربية أو حواليها غالبًا. وذلك للفت أنظار المخاطيين بالقرآن عند أول نزوله، وهم العرب المجاورون لسواحل البحر الأحمر وخليج البصرة من المحيط الهندي، وإثارة الرغبة الشديدة للتعمق في معاني الآيات التي تنطوي عليها الألفاظ، والوصول إلى حقيقة الغرض منها.

فإذا تفكر المتأمل المتدبر في قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} يتجه تفكيره حتمًا إلى إزاحة النقاب عن المفهوم المتضارب من التقاء البحرين واختلاطهما، ثم وجود برزخ بينهما، فلا يتجاوز أحدهما الآخر.


(١) الكشاف ج ٤ ص ٤٤٥.
(٢) بصائر جغرافية ص.

<<  <  ج: ص:  >  >>