للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمى أعمى فيهم وفي غيرهم" (١).

ويعلّق ابن المنيَّر رحمه الله وهو الذي كثيرًا ما يقسو على الزمخشري بقوله: "وهذا من محاسن نكته الدالّة على أنه كان مليًا بالحذاقة في علم البيان" (٢). ويقول الإمام الطبري رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: ٢٣].

وقد ذكر أقوالًا كثيرة في الآية مثها: (إلا أن تودّوا قرابتي) أي يطلب منهم مودّة آل بيت النبوة، وهو قول مشتهر عند كثير من الناس. ولكن ابن جرير الطبري رحمه الله يرفض هذا القول محتجًا باللغة قائلًا: لو كان هذا المعنى مرادًا لم يكن لدخول (في) معنى، ولكان النظم "إلّا مودّةَ القربى" (٣). وهكذا نجد أن الأئمة رحمهم الله كانوا يرجعون إلى اللغة لتأييد المعنى الراجح وردّ المعنى المرجوح.

ولقد كانت عناية العلماء منذ العصور الأولى، وبخاصة علماء التفسير والحديث بالتضلع من اللغة وإدراك أسرارها، ومعرفة أصولها أمرًا بدهيًا، فإن الذي يريد فهم القرآن الكريم حريّ به أن يكون ملمًا بها إفرادًا وتراكيب.

لنقف أمام هذه الآية الكريمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: ٢٨].

ولتسل كثيرًا من الناس حتى من ذوي التخصص عن تفسير هذه الآية فإنهم سيجييون دون تردد، إن معنى هذه الآية الكريمة (ما أرسلناك أيها النبي إلا للناس جميعًا، فالآية تدل على عموم رسالته -صلى الله عليه وسلم-، فمعنى كافة للناس -إذن- للناس كافة، وهذا المعنى الذي فَسَّروا به الآية الكريمة رده المحققون من العلماء، لأكثر


(١) الكشاف: (٢/ ٤٢٣).
(٢) نفسه: ٢/ ٤٢٣ (الحاشية).
(٣) ينظر: تفسير الطبري ٢٥/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>