للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من سبب، أما أولًا: فلسبب صناعي نحوي؛ لأن كافة ستعرب حالًا من الناس، وإذا كان صاحب الحال جارًا ومجرورًا فلا يجوز أن تتقدم الحال عليه وإلا كان ينبغي أن يقال وما أرسلناك إلا للناس كافة.

وأما ثانيًا: فلو كان هذا المعنى مرادًا من الآية الكريمة لجيء بـ (إلى) بدل اللام، أي وما أرسلناك إلا إلى الناس كافة؛ لذا جعل العلماء كلمة (كافة) تابعة للرسالة لا إلى الناس.

قال الزمخشري: " {إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم؛ لأنها إذا شملتهم فقد كفّتهم أن يخرج منها أحد منهم، وقال الزجاج: المعنى أرسلناك جامعًا للناس في الإنذار والإبلاغ، فجعله حالًا من الكاف، وحق التاء على هذا أن تكون للمبالغة كتاء الراوية والعلّامة، ومن جعله حالًا من المجرور متقدمًا عليه فقد أخطأ، لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجارّ، وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ ثم لا يقنع به حتى يضم إليه أن يجعل اللام بمعنى إلى؛ لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني، فلا بد له من ارتكاب الخطأين" (١).

ولا تقلّ أهمية مسائل الصرف عن مسائل النحو في الكتاب العزيز. يقول الزركشي: "وفائدة التصريف حصول المعاني المختلفة المتشعبة عن معنى واحد، فالعلم به أهم من معرفة النحو في تعرّف اللغة؛ لأن التصريف نظرٌ في ذات الكلمة، والنحو نظر في عوارضها. قال ابن فارس (٢): من فاته علمه -أي الصرف- فاته المعظم، لأنا نقول "وجد" كلمة مبهمة، فإذا صرّفناها اتضحت، فقلنا في المال "وُجْدًا" وفي الضالة "وجدانًا" وفي الغضب "مَوْجدة" وفي الحزن


(١) الكشاف: (٣/ ٥٨٣).
(٢) تلميذ ابن جني.

<<  <  ج: ص:  >  >>