للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: يقول المربُّون إن أعظم مظاهر القوة في الإنسان أن يتغلب على ما يحيط به وأن يُخضع الصعاب لإرادته، وإذا وصلت الأمة إلى هذا الحد فلم تتأثر بالحوادث ولم تبال بالعقبات وكان عندها من المناعة الطبيعية ما يحول بينها وبين تسرب الوهن إليها، كانت خليقة بأن ترث الأرض وتسود الدنيا وتُحسن الخلافة في الكون.

والآية الكريمة تشير إلى (التدريبات) الربانية التي تُنشى في الأمة هذه المناعة وتطبعها بطابع القوة الحقيقية وتجعلها أسمى من ظروفها وأقوى مما يحيط بها، ويجمع هذه التمرينات الابتلاء أو الاختبار الذي يبتلي الله به الناس لتصفو به نفوسهم وتتطهر من الأدران أرواحهم ويعتادوا مقاومة الصعاب وتحمل الصدمات، فإنْ صَبَرَ العبد على اختبار الله إياه وشغلته الغاية عن ألم الوسيلة، كانت العاقبة خيرًا وأبدله الله بهذا الصبر قوة في الدنيا وثوابًا في الآخرة وكان مثله كمثل من يصبر على مرارة الدواء أملًا في الشفاء، وإن جزع وتألم أفسد على نفسه العلاج وكان الاختبار وبالًا عليه.

وأساس الصبر على الابتلاء الإيمان بالله والاشتغال بمراقبة عظمته والتسليم لحكمة تصرفه ولهذا ورد في الأثر: (الصبر شطر الإيمان) وفي قول الله تبارك وتعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)} [العنكبوت: ١ - ٣] , ومن ذلك ترى أن الاختبار كما يكون تدريبًا على المقاومة يكون دليلًا على الإيمان والتسليم، فإذا صبر العبد وسلَّم كان ذلك دليلًا إيمانه فيرفع الله درجته ويعلي منزلته، وكان الابتلاء وسيلة إلى رفع الدرجات وإعلاء الرتب ونوال الفضل، وربما منعك فأعطاك فمنعك: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

والتمرينات التي ذكرتها الآية الكريمة أنواع منها:

* الخَوف وإنما بدأ القرآن به لأنه غريزة مستقرة في النفس لاصقة بالفؤاد تُولد مع المرء منذ ولد وتتحرك لأدنى مؤثر وتتولد عنها الأوهام والخرافات. فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>