استطاع الإنسان أن يكبح جماحها وألا يتأثر بمثيراتها خمدت وسكنت وذهب من نفسه ما تولد عنها من الجبن والوهم والخرافة وصار شجاعًا قوى النفس بعد أن كان رعديدًا خائر العزيمة، وبذلك يحسن استعداده النفسي وتكون الصدمات التي تلي هذه الصدمة أقل منها أثرًا وأضعف خطرًا.
* يلي ذلك الجُوع وإنما ثنى به القرآن لأنه أَلَم الجسم فإذا تعود الإنسان مقاومة دواعيه والصبر على حرارته فقد قوى جسمه وصلب عوده وانضمت قوة جسمه بمقاومة الجوع إلى قوة روحه بمقاومة الخوف فكان إنسانًا كاملًا جسمًا وروحًا.
* يأتي بعد هذين التدريب الثالث في قوله تعالى:{وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} وهو الصبر على مفارقة المألوفات من مظاهر البيئة القريبة إلى الشخص، الحبيبة إلى النفس، وللألفة على القلب سلطان ولها في النفس منزلة، ورحم الله أبا الطيب إذ يقول:
خلقت ألوفًا لو رحلت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيًا
هذه المألوفات التي تعُوق الإنسان عن العظائم وتحول بينه وبين الجد في المطالب، يريد القرآن أن يعوِّد الأمة الصبر على مفارقتها وعدم الركون إليها حتى يتحرر الإنسان حرية كاملة وحتى لا يقف شيء من دون وصوله إلى الغاية.
فإذا دَرَبت نفسه الصبر، وقويت روحه بمقاومة الخوف، وقوى جسمه بمقاومة الجوع، وتحرر من أغلال البيئة وقيود المألوفات، تحقق له قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} يبشرهم بحسن الأجر وجزيل الثواب في الدنيا بالمناعة التي تخفف وقع المصائب، وفي الآخرة بالنعيم المقيم.
ولما كان أعظم شيء يساعد على الصبر ويتقوى به الإنسان على مرارة هذه التدريبات اللجوء إلى الله تبارك وتعالى وتذكر الغاية السابقة وتمثل المثل الأعلى:(وقد يهون على المستنجح العمل) لهذا كان أحسن شعار للمبتلى عند الابتلاء أن