مصمتين يشبهان خصيتي الرجل يسميان المبيضين؛ لأن في داخلهما بويضات دقيقة جدًّا لا ترى إلا بالمناظير المكبرة تكون في حويصلات يقترب بعضها من سطح المبيض رويدًا رويدًا حتى ينفجر، فتخرج منه البويضة إلى بوق الرحم، فتكون مستعدة بذلك لتلقيح الحيوان المنوي لها. وأكثرها يضمر بالتدريج إلى أن يضمحل ولا ينفجر. وإنما ينفجر ما ينفجر منها في زمن الحيض، والمعروف أن كل حيضة تفجر حويصلة واحدة، تكون منها بويضة واحدة في الغالب، وأن ذلك يكون بالتناوب بين المبيضين مرة في الأيمن ومرة في الأيسر، وقد اهتدى أحد الأطباء بالتجارب الطويلة إلى أن البويضة التي تكون في المبيض الأيمن يتولد منها الذكر والتي تكون في المبيض الأيسر تتولد منها الأنثى، وإنه متى عرف بوضع المرأة أول ولد لها متى كان حملها يمكن أن يعرف بعد ذلك دور بويضة الذكر ودور بويضة الأنثى في الغالب، ويكون للزوجين كسب واختيار لنوع المولود إن قدره الله لهما. وقد فصلنا هذه المسألة في تفسير {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}[الأنعام: ٥٩] من سورة الأنعام. وأما التوأمان فسببهما إما انفجار بويضتين فأكثر شذوذًا، وإما اشتمال البويضة الواحدة على نويتين يلقحان معًا، والله أعلم. وقد ذكرنا هذا الاستطراد للاعتبار بقدرة الخالق وسعة علمه ودقائق حكمته بعد توفية مسألة البعث حقها من البحث، وكان المناسب أن يذكر بحث التكوين في سياق خلق آدم في أوائل السورة.
وما نقلته عن الشيخ يدل على سعة علمه وشمول معرفته، وكثرة اطلاعه على ما كتبه الأقدمون والمحدثون، لا في العلوم الدينية فحسب، بل في العلوم الحديثة كذلك، كما يدل على إنصافه للمتكلمين الأقدمين والمحدثين، يدلنا على هذا ما ذكره عن العلامة الثاني سعد الدين التفتازاني، وعن شيخه صاحب الرسالة الحميدية الشيخ حسين الجسر رحمه الله، ويدل ثالثًا على ما منحه الله من فكر ثاقب وتفكير عميق، وقوة عارضة في النقاش والحجاج والأخذ والردّ، رحم الله صاحب المنار وأسكنه الدرجات العلى من الجنة، هدانا الله ومنحنا من عظيم فضله وسعة رحمته إن ربي سميع الدعاء.