للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدع زيدًا يقول إن سليمان وجه نظره نحو اليمين، ودع عَمْرًا يقول خرَّ سليمان ساجدًا).

وهكذا يبدي الشيخ الفهم الدقيق الذي ينم عن عقيدة قوية وفكر ثاقب. ولكن يا ليت الشيخ وقف عند هذا الحد، بل إنه انتقل إلى الفكرة التي تسيطر عليه، وهي مسألة الأرواح في كثير من مواضع التفسير.

وفي تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: ٨٢] يفسر هذه الآية تفسيرًا، يظهر منه وقوف الرجل عند الحدود التي وقف عندها القرآن، دون زيادة أو افراط، يقول: (إذا وجبت الحجة عليهم، أو إذا لم يرج صلاحهم بالطرق المعروفة، في آخر الزمان، أخرجنا لهم دابة من الأرض، وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (بادروا بالأعمال قبل ستًّا، طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان أو الدابة، وخويصة أحدكم وأمر العامة) (١). وورد فيه أيضًا (إن أول الآيات خروجًا، طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحىً. وأيتهما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على أثرها قريبًا). ولم يرد في الصحيح على ما أعلم، ما ذكر من صفاتها من أن معها خاتم سليمان وعصا موسى، فتجلو وجه المؤمن وتخطم أنف الكافر بالخاتم) ... إلى أن يقول: (فكل ذلك لم أره في الصحيح، وإنما نعرف من صفاتها، ما ورد في الصحيح كما تقدم، فإنه لم يذكر إلا زمن مجيئها، ولم يرد في القرآن إلا هذه الآية) (٢).

وهكذا نرى الشيخ هنا لم يخرج في تفسيره، لا عن صحيح المأثور، ولا عن قواعد اللغة، كما لم يحاول الخوض في تفسير هذه المبهمات.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب رقم ٢٥، رقم الحديث ١٢٩.
(٢) الجواهر جـ ١٣ ص ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>