للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقلت من لغتها الأصلية إلى لغة أخرى، ولكن مما لا يفهم أبدًا أن خصائص لغة ومميزات نص، يمكن أن تسرقها لغة غريبة عنها، مع أن نظرية الإعجاز، لم يقل بها أصحاب الكتب السماوية من قبل لذا يقرر كثير من الكاتبين، أن ظاهرة الإعجاز لم تكن معروفة في غير البيئة العربية، يقول الدكتور محمد زغلول سلام: (ظاهرتان إذن وثيقتا الصلة بالحياة الأدبية العربية، برزتا منذ بدء الدعوة الإسلامية، أولاهما: هذا الكتاب العربي المبين الذي تمت له الصدارة على كل ما أنتج عند العرب وينتجون من أدب وبيان .. أما الظاهرة الثانية التي جدت مع الإسلام على الحياة الأدبية النقدية عند العرب، فهي ظاهرة الإعجاز البلاغي، وقيام الرسالة السماوية عليه، وهي ظاهرة لم تعرفها الآداب الأخرى. ومن الطبيعي كذلك أن يشغل علماء العرب بها، وأن يستعملوا أذهانهم وعبقرياتهم في دراستها) (١). ويقول أيضًا (ولكن الحقيقة التي ينبغي أن نضعها دائمًا أمام أعيننا، ولا يمكن جحدها أو إنكارها، هي أن أثر القرآن في تربية الذوق العربي، وصقله على العصور، وفي كشف جمال الأساليب العربية، واضح لا يخفى ولا يغير منه القول، بأن بلاغة أرسطو تدخلت في الميدان وكان لها ما لها، مما أتعب فيه بعض الباحثين أنفسهم للكشف عنه) (٢).

ويتضح لنا من تلك الكلمة الموجزة، أن البيان القرآني، الذي تفاعلت معه النفوس، كان السبب المباشر في تلك الثروة العلمية الضخمة. كما يتضح لنا كذلك أنه ما من كتاب وجهت له العناية مثل هذا القرآن، فلقد جندت الأمة طاقاتها لهذا القرآن، تستخرج كنوزه، وتبين ما فيه من روعة وجدة لا تبلى، ولكن ترى هل انتهى ذلك الجهد الذي بذلته الأمة بانتهاء القدامى من العلماء؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقرر أن القرآن الكتاب الخالد على مدى الدهر، والذي لا يشبع منه العلماء، يهيئ الله له أعلامًا من ذوي الغيرة، ليقوموا بواجبهم نحوه، وهذا ما سأتحدث عنه (٣).


(١) أثر القرآن في تطور النقد الأدبي ص ٩ - ١٠.
(٢) أثر القرآن في تطور النقد الأدبي ص ٢٥٤.
(٣) راجع مثل هذه الموضوعات وغيرها مفصلة في كتابنا (البلاغة المفترى عليها).

<<  <  ج: ص:  >  >>