الشبه بنشأة التفسير للكتب السابقة على القرآن، وأن عمل الرسول عليه وآله الصلاة والسلام يماثل عمل زرادشت الذي شرح الأفستا، لما كان فيها من صعوبة. وقد مرت معنا مناقشة هذا القول في التمهيد، وقد عرفنا بالحجة والبرهان، أن هذا القول لا يستند على أسس من العلم. فلقد كان العرب بمقتضى سليقتهم يفهمون القرآن، ويتأثرون به، حتى هؤلاء الذين ناصبوه العداء. ولم يكن مما يشغل الرسول أو الصحابة التفكير في المتشابه. ويزيد المؤلف هنا (أن أول من قام بتفسير الكتب السابقة على القرآن، هم رجال الروايات والفقهاء وهكذا كان الأمر في الإسلام، فأول من عرف تفسير القرآن هم الفقهاء ولكن الحقيقة تقول غير ذلك. ويمضي المؤلف ليقرر أن البلاغة والنحو والتصوف وجميع اتجاهات التفسير إنما نقلت عن اليونان والأمم الشرقية، فاسم الله الأعظم هو ما يعرف بالعقل الأول عند اليونان. وعلم الباقلاني إنما هو مترجم عن علوم الأمم الشرقية، ونظرية عبد القاهر في النظم، إنما هي ترجمة حرفية للنظرية الهندية، حتى كلمة الجاحظ (المعاني مطروحة في الطريق) مترجمة عن الهندية، إذن ففكرة الإعجاز ليست للقرآن وحده، وإنما هي لغيره من الكتب كذلك، ويخطّئ المؤلف من يدعون أن البلاغة العربية يونانية صرفة وإنما هي يونانية هندية - كما يزعم.
لقد خفي على المؤلف أن يفرق بين نوعين من الكلام: كلام لا يفهم فهو بحاجة إلى شرح، لأنه يشبه الألغاز المعماة، وكلام يفهم لأول وهلة ويسحر بيانه الألباب والمشاعر. كما خفي على المؤلف أن خصائص العربية، وبلوغها أوْجًا في الرفعة والبيان أمور لم تكن لغيرها من اللغات، وأن البلاغة العربية، إنما جاء القرآن بأسلوبه وروعته البيانية. فيه التكرار وفيه التقديم والتأخير، وفيه الذكر والحذف، والتشبيه والفصل والوصل. وكل ما فعله المتأخرون، إنما هو البحث عن سر ذلك وسببه ومقتضياته، مستشهدين بما للعرب من أقوال في جاهليتهم، نرى أي معنى بعد ذلك، لكون البلاغة وغيرها فنونًا غير عربية! وهل كانت خصائص العربية يا ترى نفس خصائص اللغات الأخرى.
من الممكن أن يدعي مثلًا أن نظرية فلسفية، أو مسألة فلكية أو قاعدة قانونية،