للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: ١]. يقول: (وقد أبهم الله تعالى ههنا أمر النفس التي خلق الناس منها وجاء به نكرة فندعها على إبهامها. فإذا ثبت ما يقوله الباحثون من الإفرنج من أن لكل صنف من البشر أبًا، كان ذلك غير وارد على كتابنا، كما يرد على كتابهم التوراة لما فيها من الشيء الصريح في ذلك، وهو مما حمل باحثيهم على الطعن في كونها من عند الله تعالى ووحيه) (١).

ثم يذكر صاحب المنار أن للإمام رأيين في هذه المسألة: أحدهما أن ظاهر هذه الآية، يأبى أن يكون المراد بالنفس الواحدة آدم أي سواء كان هو الأب لجميع البشر أم لا، لما ذكره الإمام من معارضة المباحثِ العلمية والتاريخية له، ومن تنكير ما بثه منها ومن زوجها.

وثانيهما: أنه ليس في القرآن نص أصولي قاطع على أن جميع البشر من ذرية آدم، والمراد بالبشر هنا هذا الحيوان الناطق البادي البشرة المنتصب القامة، الذي يطلق عليه لفظ الإنسان، وعلى هذا الرأي لا يرد على القرآن، وما يقوله بعض الباحثين، ومن اقتنع بقولهم، من أن للبشر عدة آباء، وترجع إليهم سلائل كل صنف منهم.

وأقول إن أبوة آدم يكاد يكون مجمعًا عليها من قبل الناس جميعًا، والمسلمين بخاصة والنصوص من الكتاب والسنة كثيرة، وكفيلة بدحض الشبهات التي ترد على هذه المسائل مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: ١٣].

والمراد بالناس هنا ليسوا قريشًا فقط، فإن دعوته صلى الله عليه وآله وسلم عامة كما نعلم وفي القرآن الكريم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: ٢٨]. وفي الحديث الصحيح أنه يوم يقف الناس لرب العالمين يذهبون إلى


(١) تفسير المنار جـ ٤، ص ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>