للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان، بما فيها من جهد وكدح وراحة ونصب. فليس هناك آدم المثال وآدم الأرض. وحينما نستعرض آيات القرآن متدبرين، فإنه لا يسعنا إلّا أن نقرر هذا. لقد خلق الله آدم كما تقول الآيات من عنصرين، أحدهما: أرضي: وهو ذلك الطين الذي كان حمأً مسنونًا، فصلصالًا كالفخّار، وأما العنصر الآخر، فهو الروح. وإذًا فمنذ اللحظة الأولى التي تكامل فيها خلقه، هُيِّئ بما يستلزمه هذان العنصران. أعني هذه الاستعدادات الفطرية التي هي نتيجة لا بد منها، تستلزمها طبيعة هذين العنصرين. وها هو القرآن يحدثنا عن آدم في الجنة، وقد طمأنه الله بأن لا يخشى غائلة الجوع وحياة العرى، ومشقة الظمأ وحرارة الضحوة، أفليست هذه كلها تستلزمها طبيعة الجسم الترابي والعنصر الأرضي. ثم هذا هو القرآن يحدثنا كذلك، عن هذه الاستعدادات الفطرية، التي يطلق عليها بعض العلماء الغرائز، وهي: الجنس وحب التملك، وحب البقاء، والتدين. نقرأ هذا في قول الله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه: ١١٧]، {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: ١٨٩] كل هذا يدلنا على الاستعداد الجنسي. أما الحرص على البقاء وحب التملك، فيشير إليهما قول الله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَال يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: ١٢٠]. {وَقَال مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: ٢٠]، وأما التدين فيظهر في قول الله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣].

هذه هي الأمور الفطرية التي زود بها آدم في الجنة، بعضها يستلزمه الجسم وبعضها تستلزمه الروح. أفبعد هذا كله، يمكننا القول إن هناك آدمين، آدم المثال، وآدم الأرض؟ وهل آدم المثال يمكن أن يخشى الجوع، ويخاف العري، ويزعجه الظمأ، وتضيره الضحوة، ويقلقه الفناء. إن آدم هذا الذي تلقى من ربه كلمات فتاب عليه، هو الذي أهبطه الله إلى الأرض. سواء أكان هذا الإهباط ماديًا أم معنويًا في أول ما تتطلبه الأرض وليس يتلاءم ويتناسب مع كرم الله، ولطف الله وحكمة الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>