والحق أن من آثار هذا القرآن وجهد مفسريه وعلمائه هذه الانتفاضات الجهادية ومقاومة الدول الاستعمارية في أنحاء العالم الإسلامي على أن هناك مسائل كان لا بد أن يعرض لها المفسرون والمحدثون، وبخاصة قريبي العهد بأحداث المسلمين السياسية، وذلك كالصلح مع اليهود وما يسمونه حلًا سلميًا وليس كذلك. ولقد رأينا ممن يعدون أنفسهم من كبار العلماء في بلد من بلاد المواجهة، من يجمع الوعاظ يومًا، ليقول لهم بأنه لا مانع من الصلح مع اليهود، مستدلًا بصلح الحديبية، فهذه إذًا مسائل حساسة، حري بدارسي القرآن وحملة رايته، أن لا يهملوها ولا يغفلوها، فالمسلمون اليوم يتخبطون وراء سياسات متعددة المناحي مختلفة المشارب.
وإنه -ويعلم الله- لمما يدمي القلب ويملأ النفس حسرات موقف أكثر علماء المسلمين وبخاصة ذوي المسؤولية منهم، مما يعانيه العالم الإسلامي اليوم فهذه الدول الاستعمارية، وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وهي العريقة في إيذاء المسلمين، وكل ما يعانيه المسلمون اليوم من ويلات إنما كان بفعلها وتخطيطها، والذين يتسلمون ذروة القيادة في العالم الإسلامي والدول الإسلامية لا زالوا يتقربون إلى هاتين الدولتين، ويقدمون لهما فروض الطاعة والولاء، ولا نكاد نسمع صوتًا يرتفع لبيان حكم الله تبارك وتعالى، أفليس من أعظم المصائب التي تقصم الظهر أن يبتعد من هم في قمة المسؤولية من علماء المسلمين عن واجبهم الذي كلفهم الله به، وحذرهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم من السكوت عنه، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، أفيحق لدولة مسلمة أن تدّعي صداقة أمريكا وغيرها، وأن يسلموهم زمامهم، وآي القرآن صريحة لمن كان له قلب والله تعالى يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)} [الممتحنة: ٨ - ٩] وهل