وثانيهما: هو أن أتباع الرسل هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبوا، وقد روي هذا عن سعيد بن جبير كذلك، فعلى الأول ضمير (ظنوا) يرجع إلى الرسل، وعلى الثاني إلى المرسل إليهم ويكون الظن الأول على التوهم وحديث النفس كما قلنا، أما على الثاني فيكون الظن على حقيقته أو بمعنى اليقين.
وحجة السيدة عائشة أن الرسل لا يمكن أن يكون منهم ذلك فقالت:(معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها)(١) وحجة ابن عباس أنهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر من الشك.
والذي يبدو لنا أن كلًّا من القراءتين ترشد المسلمين وتوجههم وهم يحملون لواء الدعوة إلى الله، فالقراءة الأولى تبين لهم إذا تيقنوا من إعراض المدعوين ويئسوا من إيمانهم فحري بهم أن يطمئنوا إلى نصر الله سبحانه، فلا بد أن يصبروا وهذا ما ترشد إليه آيات كثيرة منها قوله سبحانه:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام: ٣٤] ومنها قوله سبحانه {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥)} [سبأ: ٤٥].
أما القراءة الثانية، فإنها تبين للمسلمين أن ما يكون من خطرات النفس وهواجسها بسبب تأخر النصر، لا ينبغي أن يفل عزائمهم أو أن يضعف إرادتهم، فهواجس النفس ووساوس الشيطان لا تنقطع، ولكن ينبغي أن يكونوا منها على حذر.
قراءة التشديد تعلمنا أن لا نيأس، وقراءة التخفيف ترشدنا أن نتغلب على الوساوس والهواجس وخطرات النفوس فلكل قراءة وجهة حري بالدعاة إلى الله أن يحسبوا لها حسابًا، وهم يقارعون الباطل والشر {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ
(١) الكشف عن وجوه القراءات السبع. وعللها، مكي بن أبي طالب، ص ١٦.