الثانية: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق -بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي ..
الثالثة: هي التأويل المستمر -مع التحمل والتكلف- لنصوص القرآن كي نحلها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يجدّ فيها جديد).
وهنا نرى الأستاذ سيد يؤكد ما قلناه عنه في أول البحث وهو أنه لا ينبغي أن يحول ما قرره بين الإنسان وبين الانتفاع بما يكشفه العلم من نظريات وحقائق في فهم القرآن (فهو يقول -ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات ومن حقائق) عن الكون وعن الحياة ... (كلا إن هذا ليس هو الذي عنينا بذلك البيان، ولقد قال الله سبحانه {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت: ٥٣] ومن مقتضى هذه الإشارة أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق وفي الأنفس من آيات الله، وأن نوسع بما يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا.
فكيف؟ ودون أن نعلق النصوص القرآنية النهائية المطلقة بمدلولات ليست نهائية ولا مطلقة ثم يأتي بأمثلة على كلا المسلكين أعني مسلك تفسير القرآن حسب النظريات ومسلك الاستفادة مما كشفه العلم في فهم القرآن.
يقول القرآن الكريم مثلًا {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان: ٢] ثم تكشف الملاحظات العلمية أن هناك موافقات دقيقة وتناسقات ملحوظة بدقة في هذا الكون ... الأرض بهيئتها هذه وبعد الشمس عنها هذا البعد، وبعد القمر عنها هذا البعد، وحجم الشمس والقمر بالنسبة لحجمها، وبسرعة حركتها هذه وبميل محورها هذا وبتكوّن سطحها هذا ... وبالآلاف من الخصائص ... هي التي